الحديث عن الموازنة العامة للدولة لا ينتهي نظراً لأهميتها، خاصةً وأنها تشكل عصب الدولة خلال عام كامل، فهي بمثابة المايسترو الذي سيقود مؤسسات الدولة كافة لتؤدي الدور الذي خطط لها..
المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي كان قد أقر منذ أيام الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة، وتوجهات الإنفاق في جميع الوزارات للسنة المالية 2021 بـ 8500 مليار ليرة سورية في الشقين الاستثماري والجاري..
هذا ويشمل مشروع الموازنة تأمين 70 ألف فرصة عمل في القطاعين الإداري والاقتصادي، ويركز على دعم وتحفيز القطاع الخاص الزراعي والصناعي والسياحي بما يحقق تنمية هذه القطاعات، إضافة إلى زيادة الاعتمادات الخاصة بالضمان الصحي.
أعتقد أن ما تم الإعلان عنه عن تأمين ٧٠ ألف فرصة عمل بالاعتماد على الموازنة فيه الكثير من التفاؤل وربما المبالغة، في وقت نجد فيه الجهات المعنية قد تأخرت في تعيين عدة آلاف من المهندسين الذين تأخر تعيينهم لسنوات، نظراً لعدم القدرة على تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ هذا الأمر، وبالنظر إلى الموازنة العامة للدولة للعام الحالي نجد أنها أخفقت في تأمين فرص عمل أقل بكثير من هذا الرقم، وأيضا لما أعلنت عند إعدادها..
البعض يدفع برأي أن فرص العمل المزمع تأمينها ليست الدولة معنية بتأمينها منفردة، إنما يعول الشيء الكثير للقطاع الخاص في تأمينها، وهو الشريك الاستراتيجي في عملية التنمية، والمنتظر منه الدور الأكبر في هذا الأمر..
هذا الطرح صحيح نظرياً، ولكن من الناحية العملية فهو غير واقعي البتة لمجموعة من الأسباب المنطقية، أولها أن الحكومة السابقة وربما الحالية لن تستطيع أن تؤمن له المناخ المناسب لممارسة هذا الدور فهو بحاجة اليوم لكثير من الدعم والتسهيلات حتى تقلع عجلة الإنتاج المرهونة أيضاً بمجموعة من العوامل أهمها التصدير والتمويل..
من الأسباب أيضا لعدم واقعية الرقم لها علاقة بوجود قصور كبيرة في تنفيذ التشريعات المعنية بحماية العامل والموظف في القطاع الخاص، وتأمين حقوقه مثله مثل أي عامل في القطاع العام، واليوم إذا بحثنا في عدد العاملين المسجلين بالتأمينات في القطاع الخاص نجد أنها أقل بكثير من الرقم الحقيقي، فاليوم العامل في القطاع الخاص لا يتمتع بأي حماية ولا استقرار، علماً أن التشريعات المعنية في هذا الأمر محكمة ومنطقية في حال تطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع..
هناك أيضا من قد يجزم أن الرقم الذي نحن بصدده يشمل فرص العمل التي أمنتها المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ومشاريع التنمية الريفية، وهذا الجزم أيضا صحيح من الناحية النظرية على خلاف الواقع، خاصة أن هذه المنظومة من المشاريع لم تتبلور بعد للحد الذي يمكن التعويل عليه ليؤمن الآلاف من فرص العمل المعلن عنها في الموازنة، ناهيك عن حاجتها لتمويل كبير لا نعرف إذا قد وضع في الحسبان تأمينه..
في النهاية لا نريد أن نتشاءم كمن يتوقع البلاء قبل وقوعه، إلا أن المشكلة تكمن في الأرقام المبالغ فيها والتي تعود المواطن على سماعها ولكن من دون تنفيذ..
على الملأ- باسل معلا