لا أعرف حقيقة كيف يمكن أن نقنع مواطناً يواجه أقسى الظروف الاقتصادية والمعيشية بأن الجهات التنفيذية تبذل كل طاقتها لإيجاد الحلول لمسلسل أزماته الذي لا يكاد ينتهي؟ في وقت تتوجه فيه هذه الجهات لوزاراتها الخدمية بالتشديد على تحسين الخدمات المقدمة للمواطن أو التأكيد على جميعها لترجمة البيان الحكومي لبرامج ووضع آليات تتبع مناسبة والأكثر غرابة واستفزازاً اطلاعها على ما قامت به لجنة متابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والصعوبات التي تعترض عملها ومقترحات المعالجة.
ولأن الواقع يشير صراحة لتردٍ غير مسبوق بمستوى الخدمات التي يحصل عليها المواطن والترجمة العملية لجملة ما تضمنه البيان الحكومي تسير على خطا السلحفاة بمختلف المجالات والتجريب على أشده لا يمكن لنا تقبل التعامل مع خطر وتداعيات تفشي الفساد على الاقتصاد الوطني والمواطن ولعب الفاسدين على المرتاح في أغلب الأحيان بتلك العبارات النمطية والمستفزة وأن يكون ذلك من خلال لجنة بدلاً من إعلانها حملة حرباً سموها ما شئتم على الفساد والفاسدين لأن الجميع يدرك أن جل ما يقاسيه المواطن من أزمات تعود بجوانب كثيرة منها للفساد وغياب المحاسبة.
ومن غيض فيض الفساد والفاسدين وما كان يمكن أن يعد نموذجاً يوضع على طاولة المحاسبة والقرارات الرادعة وقد يشكل بنتائجه الفورية لبنة في جدار الثقة الغائبة بين المواطن والمسؤول يتمثل بقوة هنا في حجم المخالفات والفوضى والتجاوزات التي تعيشها الشركة العامة لإسمنت عدرا ومنها على سبيل المثال لا الحصر إعداد ميزانيات وهمية تعتمد على المبيعات لا الإنتاج والإنفاق الفعلي وفقدان آلاف الأطنان من الكلينكر وصرفيات مالية كبيرة على برامج الصيانة.
وطبعا واقع إسمنت عدرا ليس وليد اليوم بل يعود لسنوات عديدة سابقة ويمتد لشركات عديدة بالقطاع العام الصناعي واظبت لسنوات على انتهاج الخطة نفسها لجهة تقديم أرقام وهمية خاصة لأرباحها ومع ذلك لم تعالج وتحاسب مرتكبيها رغم أن ملف القطاع العام الصناعي وضع في عام 2019 وحدها على طاولة البحث في مجلس الوزراء أكثر من خمس مرات دون جدوى والدليل استمرار الوضع على حاله.
اليوم آخر ما ينتظره المواطن المزيد من التنظير من وراء المكاتب نحن أحوج ما نكون للعمل ثم العمل على الأرض مدعمين بحس عال من المسؤولية بهذه الظروف الصعبة وبأقلام خضراء جريئة همها الأول والأخير الوطن والمواطن.
الكنز – هناء ديب