منذ 13 عاماً فرض مجلس الأمن العقوبات على إيران ومن أهمّها الحظر على تجارة الأسلحة لحرمانها من الحصول على التكنولوجيا والمواد الأولية اللازمة للتصنيع.
وبدلاً من أن تستسلم اعتبرتها فرصة لتعتمد على نفسها، وتمكنت بالفعل من تطوير قدراتها الصاروخية بمستويات تراعي عدم التفلت من تداعيات قرارات الحظر على حركة السلاح منها وإليها، واستمرت على مواقفها رغم ما رافق التدابير من عقوبات في غير مجال يطول النفط والاقتصاد والمصارف ولا أحد ينكر أنها آلمت الشعب والاقتصاد الإيراني، لكن هذا التحدي جعل من الشعب الإيراني أكثر اعتماداً على نفسه وأكثر تحملاً.
لقد كان التبرير الغربي المعلن هو منع حصول إيران على السلاح النووي وتصنيع القنبلة النووية، وهذه الذريعة مصدرها عرباني صهيوني يتوجس من تنامي قوة إيران القادرة على الدفاع عن مصالحها الوطنية واستراتيجيتها الإقليمية في وجه أيّ عدوان، وبناء تحالفات مؤثرة ضد المشاريع الصهيو أميركية العربانية التي ترمي إلى تسييد “إسرائيل” في المنطقة بعد توهين القوى الممانعة. وهذا ما نجحت به وحصدت أو تكاد ثمار نجاحها.
وهنا علينا أن نعترف أن هناك تأثيرات سلبية لقرارات حظر التسليح وأن إيران وإن اعتمدت على الذات فإنها لم تتمكن من معالجة كل تلك الآثار، لذلك كان لا بدّ لها من التحرك في سياسة تقود إلى رفع هذا الحظر باستراتيجية التفاوض حول الملف النووي مع القوى الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وبعد ثماني سنوات من التفاوض المضني تمكّنت إيران من الوصول إلى اتفاق الملف النووي ليحفظ لها الحق بالاستعمال السلمي للطاقة النووية، ويوفر الضمانات لعدم حصولها على القنبلة النووية.
ومنذ الاتفاق في العام 2015 كانت إيران تتطلع إلى الجدول الزمني لرفع العقوبات بالتدرّج وخاصة في ما يتصل بالأسلحة والتسليح.
لكن ترامب خرج من الاتفاق النووي محاولاً أن يقطع الطريق على مسيرة رفع العقوبات.
وكان بهذا يراهن على ردّ فعل إيراني يسقط الاتفاق ويبرّر بقاءها لكن إيران تعاملت مع الأمر بحنكة ودهاء، فتمسكت بالاتفاق من جهة وخففت التزاماتها الطوعية في تنفيذه من جهة أخرى ما أوحى للأطراف المتبقية من مجموعة 5+1 أنّ إيران تملك قوة القرار وشجاعة اتخاذ التدابير التي تحفظ مصالحها، ما جعل الآخرين يتمسكون بالاتفاق ويمتنعون عن السير خلف ترامب متسببين بعزلته دولياً.
وهكذا أصبحت إيران على موعد مع عهد جديد في علاقاتها مع العالم، عهد يرفع فيه الحظر على تجارة الأسلحة بيعاً وشراء، بعد أن امتنع مجلس الأمن عن الاستجابة إلى مطالب أميركا بتمديد الحظر على حركة السلاح من إيران وإليها، وأظهرت أكثر من دولة رغبتها في تصدير السلاح إلى إيران أو شرائه منها متجاوزة إلى حدّ بعيد التهديدات الأميركية رافضة الانصياع لها.
وهناك عدد كبير من القوى الدولية ستقيم علاقات ثنائية مع إيران في مجال التسليح ما سيكون له انعكاس وتأثير لصالحها وحلفائها في المنطقة والعالم. وستتمكن من تصدير مصنوعاتها العسكرية وهذا ما سيعزز علاقاتها الاستراتيجية مع الحلفاء ويفتح أسواقاً دولية أمام السلاح الإيراني ما يؤدي إلى تنشيط صناعته.
وبالخلاصة نرى أنّ صمود إيران جعل أميركا هي التي تعاني من العزلة التي شاءتها لإيران، وهذا ما يفرض عليها مراجعة سياستها بعد أن تدرك أنّ الحل العسكري شبه مقفل ومحفوف بالمخاطر، وأنّ العقوبات لم تعد تجدي نفعاً في العالم الجديد. فهل ستفعل هذا بعد الانتخابات أم قبلها؟ لننتظر!
وإن غداً لناظره قريب
معاً على الطريق- د.عبد الحميد دشتي