ثورة اون لاين – عمار النعمة:
صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب الجزء الثاني من تاريخ المسرح تأليف فيتو بانولفي وترجمة الأب الياس زحلاوي ب469 صفحة من القطع الكبير.
يؤرخ هذا الكتاب للمسرح، فيمر على استعراض تاريخ المسرح غير الأوروبي، ويؤرخ بشكل مفصل للمسرح الإغريقي والروماني.
وقدم المترجم الأب إلياس زحلاوي الكتاب بالقول : لقد عرفت بلادنا المسرح، ولا سيما في العهدين الإغريقي والروماني، وربما قبل ذلك، وأوابد بلادنا تشهد على ذلك، حيث قلما نجد مدينة أو بلدة قديمة لا يوجد فيها مسرح، ومع ذلك انقطعنا أكثر من ألف وثلاثمئة عام عن هذا الفن الجميل الأقرب إلى الحياة من أي فن آخر”.
يبدأ الكتاب بالحديث عن الكوميديا الارتجالية فيتساءل المؤلف حول هذه التظاهرة الفريدة للفكر الإنساني فيقول أنها تنطوي على لغزين رئيسيين وثيقي الصلة أحدهما بالآخر. كيف ولماذا ظهر الارتجال نحو منتصف القرن السادس عشر(لا قبل يقيناً) ؟ إلى أي مدى كان يمكن وصف تمثيل الكوميديين بالارتجالي؟ ماهي حدود الإعداد له؟ في الحقيقة يجب عدّ هذه الظاهرة عصي على التفسير وفي الوقت نفسه جديدة وفريدة على الرغم مما خصّت به من دراسات إعارات المسائل التي من هذا الصنف كل انتباه وعلى الرغم من التنوع الشديد في الآراء التي تضاربت بشأنها, فمن المرجح أنه كان ثمة عناصر ارتجالية في مسرحيات (الاتيلان) وفي إيمائيات البهالين. ولكنها لم تكن بالتأكيد لتشكل كما هي الحال التي تعنينا أبرز جوانبها.
ينتقل المؤلف إلى تظاهرات الروح الدينية من الدراما الطقسية إلى التمثليات التوجيهية ثم إلى العصر الذهبي الإسباني الذي رأى من خلاله إلى أن اسبانيا شهدت انطلاقة تاريخية عظيمة, هي من أهم وأخصب ماعرفت في حياتها, وبشكل مواز عرف النشاط المسرحي والأدبي, تطورات واسعة ومتنوعة ، تمتد هذه المرحلة من منتصف القرن السادس عشر تقريباً إلى منتصف السابع عشر، ورافق الانتاج المسرحي بحكم المنطق نشاطا مسرحيا في مجال المحترفين (وهو شعبي خصوصاً) وفي البلاط (ومن ثم هو ارستقراطي) .
بحث الكتاب في التراجيديا الكلاسيكية فتحدث عن بدايات التراجيديا في فرنسا حيث نشأ الفن المسرحي لدى كورناي وراسين, وفيه تحقق واكتمل أسلم تداخل حدث بين تقاليد التراجيديات القديمة وأشكالها ، والحضارة الحديثة، بعد مدّة اختمار طويلة ومعقدة, فقد قامت طوال قرن تقريباً سلسلة من المحاولات قلما وجدت، وقد تكون أولاها مأساة “ابراهيم يضحي بابنه” التي كتبها “تيودور ديه بيز” .
ثم انتقل الكاتب إلى التراجيديا الايطالية التي يظل التطلع إلى التراجيديا حياً في الحضارة الايطالية، ولكن بوصفه غاية مثلى لم تتحقق دوماً حتى أيامنا هذه. فكثير من الاندفاعات المعقدة تنصب في هذا الاتجاه، ذلك لأن التراجيديا في ايطاليا غيرها في سائر الحضارات المسرحية انفصلت بسرعة عن المناخ الديني واتخذت شكلاً مستقلاً عن الطقس، ولم تعتمد الأسطورة إلا بدافع سيكولوجي وواقعي، وهي تبحث فيها عن شخصيات، ولكن بعد أن تخلت عن الرمز والخرافة.
وعرّج الكتاب على الأخلاق الجديدة في المسرح (من موليير إلى الثورة) وفيه تناول الحديث عن موليير وتأسيسه (للمسرح الشهير) حيث بدأ هذا المسرح بداية سيئة في باري، إذ أودع موليير بالسجن بسبب الديون, ولم يخرج منه إلا بعد تدخل والده مالياً, واستعادت الفرقة نشاطها في عام 1645 ولكن في الريف، وكانت تلك ثلاثة عشر عاماً من التجارب المتنوعة والصاخبة وأخيراً في عام 1658 عرضت الفرقة في قصر اللوفر أما الملك مسرحية (نيكوميد) وبذلك بدأ حقاً نشاط موليير الإبداعي وهو يتوافق مع نشاط فرقته التي كان في آن واحد يديرها ويؤدي فيها أول الأدوار الهزلية واستمر هذا النشاط حتى وفاة موليير عام 1673 في أثناء العرض الرابع لمسرحيته (مريض الوهم) حيث كان يمثل فيها الدور الرئيس وقد أصر على متابعة دوره على الرغم من الطارئ الخطير الذي ألم به.