قبل ثلاثة أيام من نشر هذا المقال أي قبل الانتهاء من الفرز النهائي – كانت بعض الشعوب، إن لم نقل معظمها تحبس أنفاسها، وهم يتابعون معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية بين تمديد ولاية ثانية لدونالد ترامب المتهور المجنون لأربع سنوات أخرى، أو دخول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وكأن الأخير سوف يكون منقذاً لهم من أزماتهم الخانقة التي صنعتها أميركا منذ أن تأسست بجمهورييها وديموقراطييها على هياكل وجماجم الهنود الحمر وعلى استبدادها بالشعوب. وليست هذه هي المرة الأولى التي تعيش فيها الأنظمة والشعوب مثل هذه الحالة ظناً منهم بأن ساكن البيت الأبيض الجديد هو أفضل من سابقه في التعاطي مع القضايا التي يعاني منها العالم، لكن ظنهم يخيب بعد الرئيس الجديد.
لطالما أوضح العقلاء (كما قال الرئيس بشار الأسد في معرض تعليقه على الانتخابات) بأن رئيس الامبراطورية الهمجية ليس سوى مديراً تنفيذياً لمجمعات الضغط والشركات العملاقة، وما يقوم به أي رئيس هو استمرار لسياسات هذه المجمعات الكبرى مع اختلاف الأساليب.
والشعوب العربية ومعها بعض الأنظمة الالتحاقية كانت أيضاً في خضم المعركة الانتخابية المعقدة، فكل شيء وكل حركة وكل نفسٍ كان مرهوناً ومجمداً لما بعد الانتخابات سواء بانتظار عودة ترامب الذين يعتقدون أنه سيخفف من تهوره وتهريجه في الفترة الرئاسية الثانية، أو انتظاراً لبايدن صاحب سياسة القوة الناعمة “وأحد مهندسي الربيع العربي”. والمؤكد أن أميركا دخلت في النفق المغلق إلى نهايتها المحتومة وهي نهاية هيمنة القطبية الأحادية.
صحيح أن ترامب كان أهوج في تعامله مع قضايا منطقة الشرق الأوسط أو غرب آسيا، واستخدم أسلوب الضغط للحصول على ما يمكنه الحصول عليه، لكنه كان الرئيس الأكثر وقاحة إذ كشف ذلك بتصريحاته الفجة الوحشية الأميركية، لكن هذا الكائن ذهب إلى كوريا الشمالية، وأعلن استعداده للتفاوض مع إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي بعد تضييق الخناق عليها. كما انسحب من معظم أماكن سيطرته في سورية تاركاً بعض قواته لمساندة ميليشيات الانفصال التي عودتنا أن تُلدغ من نفس الجحر ألف مرة. وبقي في العراق حتى لو كان وجوده في حالة شلل بالاتفاق. وسرَّع في تأسيس بيئة مناسبة ومسلحة للحرب الأهلية، وكاد يعلن الحرب على الصين، ما يعني أنه لم يكن يستبعدها، ما يمهد لحرب عالمية ثالثة.
لكن بايدن الديمقراطي لا يختلف عنه إلا في الأسلوب، بل هو أخبث منه خصوصاً في قضية دعمه “لإسرائيل” فهل نسينا قوله: “لو كنت يهودياً لاخترت أن أكون صهيونياً”.
وسواء عاد ترامب بعد المحاكم الفيدرالية وصولاً إلى المحكمة العليا أو بتدخل مجلس الشيوخ أو لم يسلم السلطة سلمياً كما أعلن، أو نجح بايدن الناعم الخبيث، فإن السياسة الأميركية لن تتغير مع العالم وخصوصاً مع منطقتنا.
وبهذا أو ذاك فإن العالم بعد هذه الانتخابات وليس بعد ترامب الذي لن يسلّم السلطة بسهولة وسينتقم من خصومه فيما تبقى من فترة ولايته، أو بعد بايدن الذي سيكون أكثر حنكة وأكثر مطواعية لمجمعات الضغط والشركات التي يملكها الروتشيلديين. لن تكون أميركا كما كانت قبل الانتخابات، فلقد قررت “قوة العالم الخفية” أن الهيمنة الأميركية لم تعد قادرة على خدمة مصالحها وأهدافها.
وإن غداً لناظره قريب.
معاً على الطريق- د. عبد الحميد دشتي