الملحق الثقافي:محمد خالد الخضر:
بعد أن أرهقتني أكثر كتابات القصة القصيرة التي تسربت إلى الساحة، نظراً لاستهدافها جذور الأصالة وارتدادها عن الأساس البنائي الذي جاء إلينا عبر سنين ليست قليلة، أهداني صديق عزيز على غفلة من ألمي المحاصر مجموعة «خرائط الرجوع» الذي توسط عنوانها الصفحة. بعد أن قرأت العنوان نظرت إلى الأعلى فوجدت اسم ميسون صالح عيسى.. توقعت أن أذهب إلى البيت وأغلق المجموعة من القصة الأولى أو الثانية.. ولكن أخذتني المجموعة تماماً. ولأنني اعتدت أن أذهب إلى المكون النصي قبل المعنى، فقد لفت نظري المبنى المتماسك والمتشابه في تماسكه في سائر القصص من البداية إلى النهاية. فالكاتبة أسرتني لأكمل المجموعة لأنها لم تقع نهائياً بأي استطراد خيالي ولا استطراد يدخل على أي حدث، فكان الموضوع يمسك خيالي لأنتهي بالقصة وأنا أتلمس التوازن والتماسك والالتزام بسلامة المفردة التي تحرص أن تكون على كامل بهائها في الخاتمة.
ميسون عيسى واضح أنها اتطلعت على مكونات (الضيعة) وسيما إذا كانت هذه الضيعة في حضن جبل وعلى ظلال أشجار وهي مسكن لنسور وصقور.
الشخصيات التي رافقتها في المجموعة كانت طيبة جداً وحنونة وعاطفية، إلا أن هذه الشخصيات تمتلك حدة الصقور ورقة المتفائل وتمتلك عبق البيلسان وزقزقات العصافير.
من أجل هذا وذاك كل القصص تدفع إلى التمسك بالأرض وتشير إلى ضرورة العودة والانتصار والمحبة واحترام التاريخ وصيانة الانتماء.
أخذتني معها في قصة (من يرتق هذا العالم المهترئ) ولو لم أقرأ الاسم منذ بداية حصولي على المجموعة لقلت إن من كتب هذه القصة خاض الحرب وخبر الدبابة وتمترس خلف الساتر الترابي ليلقي بوابل غضبه على من يحاول أن يقترب من الكرامة. القصة معبأة بوصف الهمة ووصف الكرم ووصف الوفاء تارةً تذكرك بالمعركة وأخرى تدلك على أهمية محبة الأم، فهي التي تعلم وهي التي تربي وهي التي تقرر إذا كان الوطن سيبقى حراً أم لا.
منهج غريب سلكته هذه المرأة في كتابة نصها الإبداعي، وهنا في قصة «تحية لقائد الكتيبة» تذكرني بالماضي العريق عندما خبرت الخنساء باستشهاد أعز من لديها وقالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم. كانت المرأة سابقاً على خطها العربي وها هي الآن تعلن عجز التقنيات الغريبة الغازية لهمة المرأة، فتفاجئنا ميسون لتخوض الحرب وتدل كيف يكون الرجال نسوراً حتى يستحق الواحد منهم أن تتشرف أمه باستشهاده.
وأدركت كاتبة المجموعة أن القصة لا يجوز أن تظهر إلى نور إلا إذا كان صاحبها أو صاحبتها على معرفة ودراية بالمكون السيكيولوجي للإنسان ونوازعه ورغباته ووسائل عيشه، حتى لا تكون القصة حجراً تلقى ولا تلقى صوتاً ولا صدى. وهذا ما نألفه في قصة «الجسر» و»الأخ الأكبر» و»درس موسيقى».
سائر القصص تدل على موهبة مدربة ومدرسة، وتدرك صاحبتها كيف يجب أن تتطور وكيف يجب أن تحب أو تكره وكيف تبدأ وتنتهي.
القصة عالم غير قابل لتغيير مكوناتها، فهي قادمة منذ أن وجد الإنسان بمكون واحد، فإن لم تمتلك القدرة على الدهشة والتأثير والحض على التفكير والتغيير، فهي عمل لا قيمة له أبداً، وهكذا وجدنا أن الكاتبة أدركته وأنها في مجموعات أخرى ستمضي مع طيورها التي وردت في مواضيع قصها وتتجاوز كل ما يجب أن تتجاوزه، ولابد من أن تسعى الوسائل الأخرى التي تهرول دون حق لتصل إليها، لأنها صاحبة حق، وواضح أنها تتحلى بصفات تنتظر أن تأخذ حقها دون مقابل.
التاريخ: الثلاثاء10-11-2020
رقم العدد :2020