منذ أن بدأت الأسعار بالارتفاع أواخر العام الماضي وإلى الآن ومبادرات خفضها لم تنقطع، وأولها المبادرة التي حملت(اسم عملتي قوتي)، والتي أطلقها الأثرياء من صناعيين وتجار بهدف ضبط سعر الصرف وخفض الأسعار، إلى مبادرة(زكاتك خفّض أسعارك)، والتي أطلقتها وزارة الأوقاف، إلى مهرجانات التسوق بأنواعها، إلى مبادرة نص علينا ونص عليك، وغيرها، ولكن جميعها باءت بالفشل الذريع فلا سعر الصرف انضبط ولا أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية انخفضت، بل على العكس الأمور المعاشية والحياتية للمواطن من سيء إلى أسوأ.
منذ البداية كان الأمر واضحاً أن هذه المبادرات ليست هي الحل الأمثل -بل هي جرعة مهدئة لهذا المواطن الذي بلغ به الانهاك كلّ مبلغ ولم يعد يستطيع التحمل وانتظار الوعود- لأنها لم تعالج السبب الحقيقي الذي أوصل حياة المواطن إلى هنا، وأول هذه الأسباب وأهمها هو الفساد المستشري والمتغلغل في مفاصل حياتنا وعلى كلّ المستويات، من المضاربة وتهريب الأموال خارج البلاد إلى احتكار قوت المواطن.
جولة واحدة في أي سوق من أسواق دمشق بمختلف أنواعها ولتكن على سبيل المثال سوق مواد البناء تؤكد صحة ما ذهبنا إليه فقد ارتفعت أسعار مواد البناء من الإسمنت والحديد والألمنيوم والخشب والدهانات بصورة مرعبة، ما يجعل هذا المواطن المهجر مثلاً، والذي يريد ترميم منزله ليعود إليه عاجزاً عن التفكير مجرد التفكير بأن يقوم بترميم أي شيء، وهذا معناه بقاءه مهجراً بعيداً عن بيته وأرضه مع ما يحمله الزمن له ولأسرته من معاناة تنوء بها الجبال.
هذا سوق مواد البناء فما بالك بالأسواق الأخرى وخاصة الغذائية منها فحدّث ولا حرج، فقد انخفض استهلاك المواطن من اللحوم الحمراء ومن بقية الأنواع الأخرى من اللحوم ومن الألبان ومشتقاتها إلى حدّ العدم بسبب ارتفاع أسعارها الذي لا يطاق، إضافة إلى الأزمات اليومية الأخرى التي تلاحقه من أزمة الخبز إلى الوقود التي خلقت أزمة نقل خانقة، والحبل على الجرار.
إلى متى يعيش هذا المواطن وهم تصديق الوعود بغد أفضل وخاصة إذا كان الواعد هؤلاء الأثرياء من صناعيين وتجار وغيرهم؟ كلّ هذه السنوات أليست دليلاً وحجة على هؤلاء أنهم لم ولن يقدموا شيئاً للوطن والمواطن، وأن كلّ همهم ملء أرصدتهم، وأن شعارهم الغاية تبرر الوسيلة.. ومهما كانت هذه الوسيلة قبيحة ومستهجنة؟.
عين المجتمع – ياسر حمزه