الفكر في منطقتنا دون تحديد لحدود المنطقة هو فكر الشرق الذي أهدى للعالم حضوراً ونهضة أبهرته، وليس مبرراً لأيّ ثقافة عربية متجذرّة اللغة والتاريخ أن تهتّز وتترنّح أو تغرق.
فالثقافة العربية يكفيها تعبيراً عن قوّة حضورها أنها صمدت في وجه الأساطير الصهيونية الكبرى وقاومت المشروع الصهيوني حين انحنى له الكثيرون.
هذا الفكر شبهه السيد الرئيس بشار الأسد بقوله:( أنا أريد أن أشبّه الوضع والعالم الذي نعيش فيه بمحيط.. محيط كبير.. محيط هائج..أمواجه عاتية تضرب بكلّ الاتجاهات.. تضرب بالاتجاه الأمني عبر الإرهاب.. تضرب بالاتجاه الاقتصادي عبر الحصار والتجويع.. تضرب بالاتجاه الفكري عبر دفع المجتمعات إلى الدرك الأسفل.. في هذا المحيط نرى سفناً ونرى مراكب ترتفع وتعلو وتهبط.. البعض منها يهتّز بهدوء والبعض يترنّح والبعض قد غرق..) ثقافتنا رفضت الذوبان في أيّ ثقافة أخرى كما حدث لأمم كبرى نسيت لغتها، وصارت الإنجليزية لغتها الرسمية، وثقافتنا لاتزال تقاوم وتنهض كلّ مرة ولم تتخلَ عن لغتها يوماً واستعادة مشروعها القومي المرتبط بهويتها وثقافتها ولغتها، وأصرّت على حقّ الفلسطينيين حين احتشد العالم لنزع حقوقهم، وأصرّت على المقاومة حين سمّاها العالم إرهاباً…
سورية بثقافتها وصمودها كلّ هذه السنوات لم يكن من فراغ، فعندما بقيت تحارب الإرهاب بقيت تدافع عن مشروع الإسلام الحضاري، وتمكنّت من أن تفضح التطرّف الدخيل على الإسلام وكشفت مصادره وتمويله من أيام ظاهرة الأفغان العرب وعمليات التفجير الإرهابية المُستأجرة من قبل شبكات الموساد ليتهموا من خلالها المسلمين وينقضوا على التاريخ العربي..
الحضور العربي الإسلامي في أوروبا لم يتفق مع الرؤى الأميريكية والصهيونية العالمية، وكلّ الحروب في منطقتنا اليوم هي حروب ضدّ العروبة والإسلام لأنهما باتحادهما أثبتتا أنهما جزء لا يتجزأ عن الموروث الثقافي الذي تنصهر فيهما اللغة والفكر وإذا ما أصابت المنطقة حالة فقر إبداعي فهذا لايعني أنه لايوجد من يعوّض هذا الفقر، وكما ولدت الأمة مبدعين في الفكر والفن والثقافة والموسيقى والأدب يمكنها أن تلد أمثالهم اليوم..
نعتّز ونفتخر في منطقتنا بالتعددية التي عمرها آلاف السنين والتي لم تضق فيها السبل يوماً على أحد في حريّة التعبير، في حين أن انتقاد اسرائيل في أيّ دولة صار جريمة يعاقب عليها القانون وتضاهي معاداة السامية، بمعنى أن ثقافتنا حرّة، وثقافة الغرب تعاني التبعية والفراغ الروحي من القيم..
رؤية- هناء الدويري