الثورة أون لاين -معد عيسى :
نعاني منذ سنوات طويلة من أزمة الكهرباء، والأزمة في تفاقم مستمر ولا تبدو الأمور بخير مع إدارة هذا الملف بطريقة بعيدة عن توصيف الواقع والإمكانات المتاحة، فالقائمون على هذا القطاع يرون أن المشكلة تتجسد بشكل أساسي بنقص الوقود، في حين أن المشكلة هي في تحديد نوع الوقود، فالوفرة في الوقود الأحفوري (نفط – فيول) لم تعد متاحة مع خروج مصادر النفط والغاز عن السيطرة وتدمير معامل الغاز والآبار، وهو الأمر الذي تتجاهله الجهات المعنية بالقرار الكهربائي من خلال الاستمرار في بناء المحطات التي تعمل على الغاز بغياب أفق واضح لوفرته، وهذا يعد انتحاراً ولاسيما مع تجاهل التوجه الجدي للاستثمار في الطاقات المتاحة (المائية، الشمسية، الريحية، تدوير النفايات، والسجيل الزيتي).
ما سبق يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك بضرورة إعادة هيكلة قطاع الطاقة بشكل كامل بهدف توحيد خطة الطاقة لاستثمار كل أشكال الطاقة المائي والحراري والطاقات المتجددة، فوزارة الموارد المائية التي همها تأمين مياه الشرب وحاجة القطاع الزراعي لن تفكر بتوليد الكهرباء من المصادر المائية التي تملك منها الكثير، وأقلها أقنية الري الخارجة من السدود، ولاسيما في المنطقة الساحلية التي تعمل على مدار الساعة، وقد استثمرتها دول كثيرة بتركيب توربينات صغيرة كل مئة متر توربان باستطاعات صغيرة تتراوح بين ٥٠ و١٠٠ كيلو وات، ويتم ربطها بالشبكة الكهربائية مباشرة أو استخدامها لضخ المياه من الأقنية إلى المناطق المرتفعة.
موضوع الطاقة يحتاج لفكر تشبيكي بين كافة القطاعات لاستثمار كافة أشكال الطاقة غير الحرارية التي نملك منها الكثير عدا كوننا نوفر استهلاك الطاقات الكهروحرارية وحتى الاستغناء عنها بقطاعات واسعة مثل القطاع الزراعي بتركيب لواقط كهروضوئية لتشغيل الآبار وضخ المياه ورفعها من الأقنية.
الكهرباء لا تتحمل وحدها المسؤولية ولكن بقصور رؤى التخطيط الاستراتيجية وصلت إلى مرحلة التشغيل القسري والجائر لمحطات التوليد الكهروحرارية، وباتت المنظومة الكهربائية في حالة من البؤس، ولذلك لا بد من التشبيك بين وزارات الكهرباء والنفط والموارد المائية، وإعداد خطة شاملة لاستثمار كافة مصادر الطاقة المتاحة بكل أشكالها ولاسيما أن البناء على الغاز لم يُعد موثوقاً في ظل الطلب المتزايد على الكهرباء، وتعثر عمليات التنقيب عن النفط والغاز في ظل العقوبات والحصار الذي حال دون استخدام تقنيات حديثة في الحفر والاستكشاف، وكذلك إصلاح الحفارات وتأمين قطع الغيار لها ومغادرة الشريك الأجنبي.
بناء خطط التوليد الكهربائي على النفط والغاز بات كمن يبني على وقود افتراضي ولا بد من التحرك سريعاً نحو استثمار الطاقات المُتاحة مثل السجيل الزيتي والطاقات المُتجددة، فكما انطلقت وزارة الكهرباء في إنشاء صندوق تمويل للسخان الشمسي ومولت الزراعة مشروع التحول للري الحديث يجب تمويل مشروع تركيب لواقط كهروضوئية لأغراض الري لإنقاذ القطاع الزراعي ويجب التوجه لتمويل بناء مزارع عملاقة للطاقة الشمسية ونحن بلد الشمس.
عندما يتم الحديث عن وثوقية الشبكة الكهربائية مع وضع أي مشروع جديد في الكهرباء بالخدمة ففي ذلك عدم دقة بالتوصيف لأن زيادة الوثوقية في الشبكة الكهربائية تقتضي وجود فائض توليد يزيد 30 % عن الاستهلاك، وبالتالي لن نمتلك الوثوقية ما لم نغير الخطط ونستثمر الطاقات المتاحة ونبتعد عن الافتراضي المرتبط بعدة ظروف.