الثورة أون لاين – ريم صالح:
تحويل الدين إلى مجرد مناقصة من المناقصات تباع وتشترى، وتستثمر في سوق المزادات الإسلامية والدولية لطالما كانت سياسة ينتهجها الكثير من الوصوليين الانتهازيين لتحقيق مآرب سياسية، أو شخصية، كما هو الحال لدى رئيس النظام التركي رجب أردوغان على سبيل المثال لا الحصر، فسجله حافل في هذا المضمار بالكثير الذي يطول ذكره، ويحتاج إلى مدونات لتعداده وإحصائه.
فهل يمكن لأحد في وقتنا هذا أن يثق حقاً بالخطابات والتصريحات الانتهازية لرئيس هذا النظام الوصولي، ويؤمن بالتالي بعنترياته الجوفاء؟!، أم أن تستره بالدين ومتاجرته به بات أمراً واضحاً للعيان، لا يحتاج إلى أي دليل مادي ملموس، ولا سيما أن سيل البراهين الموثقة بالصوت والصورة والفيديو، والتي تعري أردوغان وتكشف أكاذيبه، تكاد تتحول إلى طوفان جارف من شأنه أن يقلب الطاولة على رأسه في أي وقت كان.
فعندما ينصب رئيس نظام الإبادة التركي نفسه مدافعاً عن شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو إنما يتحدث من منطلق انتهازيته الفاضحة، والحال نفسها تتكرر في كل الخطوات والخطابات والممارسات التي حاول من خلالها دغدغة مشاعر المسلمين في كل أرجاء العالم، دون أن ننسى محاولاته المفلسة دوماً لمداعبة مشاعر المسلمين الأتراك، ولا سيما في ظل انخفاض وتراجع شعبيته في أوساط الشارع التركي.
لسنا وحدنا من نقول هذا الكلام وإنما الوجه الحقيقي لأردوغان بات حديث النخب السياسية التركية أيضاً، فأحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل التركي، والذي كان صديقا مقرباً له وساهم بتكريس سياساته العدوانية، سمى الأشياء بمسمياتها، واتهمه علانية باستخدام الدين واللعب على هذا الوتر بتوظيف الرموز الدينية لتحقيق مكاسب سياسية كلما وقع في دائرة مغلقة لا مخرج له منها بسبب منافسيه.
كذلك علي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي المعارض نائب رئيس الوزراء الأسبق أكد أن النظام الحاكم يلجأ إلى الدين كلما زاد موقفه الداخلي سوءاً، وبالتالي فإن كل ما يقوم به مجرد حملات جوفاء.
أما إذا ذهبنا إلى لغة الأرقام فوحدها الأقدر على أن تكشف زيف مزاعم أردوغان، فهو هاجم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مؤخراً متذرعاً بالمسلمات والثوابت الدينية، بل ودعا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، متوهماً أنه بذلك قد يزيد من شعبيته، وبأنه بذلك يقدم نفسه متزعماً للعالم الإسلامي كله، كما أنه من ناحية اقتصادية قد يروج لمنتجاته التركية كبديل للمنتجات الفرنسية، بينما أرقام التبادل التجاري بين أنقرة وباريس فضحت أكاذيب أردوغان ونواياه الحقيقية، فقد بلغت نحو 14.7 مليار دولار خلال 2019 فقط، بحسب أرقام تركية رسمية، وفي هذا الصدد صرح وزير خارجية النظام التركي، مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة تخطط لرفع هذا التبادل إلى 20 مليار دولار في 2020.
ويبقى المضحك هنا، وقمة التناقض، هو زوجة أردوغان “أمينة” فزوجها يدعو إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، بينما هي تتصدر الشاشات، وهي تستعرض حقيبتها ذات الماركة الفرنسية، ولذلك يمكننا الجزم بأنه عندما يهاجم أردوغان ماكرون فإنما يهاجمه لغايات سياسية في نفسه، ولاختلاف المصالح والأطماع والأجندات بين النظامين الاستعماريين لا أكثر ولا أقل.
الشواهد على متاجرة أردوغان بالدين كثيرة، فماذا يمكن أن نقول عن تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد في تمّوز الماضي؟!، وبماذا نفسر تحويله كنيسة شورا الأرثوذكسية القديمة إلى مسجد؟!، أليست عملية تحويل رئيس نظام الانتهازية التركي كنائس بيزنطية قديمة في الآونة الأخيرة إلى مساجد هي متاجرة بالدين يسعى من خلالها لتحفيز قاعدته الانتخابية، والتغطية على فشله الداخلي، وسياساته التي أدت للتدهور الاقتصادي في تركيا.
حتى عندما يتحدث أردوغان عن فلسطين المحتلة، وعن القدس، فهو إنما يتحدث من منطلق أطماعه الجيوسياسية، لا أكثر ولا أقل، وليس من منطلق ديني على الإطلاق لما تمثله القدس من رمز مقدس للمسلمين، صحيح أنه أزبد وأرغد على الملأ على خشبة منتدى دافوس، وصحيح أنه وزع بطولات كاذبة في قضية سفينة مرمرة، ولكن الحقيقة أقوى من أن تحجب بغربال تلفيقه وتمثيلياته المفضوحة، ولعل ما يكشف كذبه هنا هو تلك الإحصائيات التي تقول إن حجم التبادل التجاري بين الجانبين التركي والإسرائيلي بلغ 5.8 8 مليارات دولار، علماً أنه كان أكثر بقليل من مليار دولار فقط عندما قدم أردوغان إلى الحكم.
كما تفيد الأرقام بأن عدد الرحلات الجوية بين الكيان الإسرائيلي وتركيا تجاوزت 60 رحلة أسبوعياً، وأن وزارة الزراعة التركية أصدرت قراراً حصرت فيه شراء بذور الحبوب بهذا الكيان فقط، ماذا يعني هذا؟!، هل بمثل هذه الممارسات ينصر الانتهازي أردوغان المسلمين في فلسطينيين المحتلة؟!.
أما على المستوى العسكري والأمني، فقد حافظ نظام أردوغان على البنية العسكرية لجميع الاتفاقيات العسكرية التي وقعت بين نظامه وبين الكيان الصهيوني في إطار اتفاقية الشراكة التي وقعت بينهما عام 1996.
يكفينا هنا أن نختم بأن أردوغان الحاصل على جائزة الشجاعة اليهودية، هو نفسه الذي زار القدس عام 2005، والتقى شارون واكتفى بابتسامة عندما قال الأخير له مرحباً بك في القدس عاصمتنا الأبدية، وهو ساعتها لم يصدح، ولم يستعرض عنترياته الخلبية، لم نسمع منه تعليقاً، لماذا؟!، لأن مصلحته هي الأهم.
أردوغان هذا المتاجر بالدين، هو أيضاً نفسه الذي فتح برلمان بلاده عام 2007 أمام شيمون بيريز ليكون أول رئيس إسرائيلي يلقي خطاباً في برلمان دولة مسلمة الهوية، وماذا فعل حينها غير التصفيق، ألم يستعرض في ذاكرته حينها مشاهد أطفال المسلمين وهم يذبحون في صبرا وشاتيلا؟! هو النفاق بأم عينه إذاً.
لو كان للدين الإسلامي وجود حقاً في عرف أردوغان ومبادئه وقناعاته ومسلماته، لما أجرم بحق السوريين، لما تاجر بدمائهم، وأرسل لهم مرتزقته الإرهابيين ليشنعوا بهم، لما قطع عنهم الماء، لو أنه فعلاً يستمد تعاليمه من نصوص القرآن الكريم، ومن سنة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، لما غزا ونهب وسلب الشمال السوري، وأمر بفعل كل ما يغضب تعاليم الدين ويتعارض معها على الساحة الليبية.
أجندات أردوغان وأطماعه التوسعية واضحة للجميع، والدين منه ومن جحافل إرهابييه براء، ومتاجرته الرخيصة بتعاليم الدين الإسلامي، ما هي إلا تجارة خاسرة ستهد أوهامه فوق رأسه ومن يعش ير.