الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
هكذا يعيش أبناء هذا الوطن، بل هكذا اعتادوا أن يعيشوا بعد أن تمرّسوا على مقارعة المحن.. ألقى أبناء البشاعة عليهم الظلام، فاتّشحوا بالصبرِ الذي توسّد حياتهم، بأملٍ لا ينام..
دُمّرت ديارهم، وأقام الويلُ حتى في أحلامهم.. لم يغادروا قلوبهم الرحبة، ولا أرواحهم العذبة.. أغمدَ الموت جنائزيته في أعماقِ كلٍّ منهم، فنزفت دون أن تتوقف عن النبض رغم الفقد الذي أفجعهم.. احترقت ذكرياتهم وأشجار أصالتهم، فأخمدوها بأيدي الحبِّ ودمعِ الربِ، المؤتمن على سوريتهم.
عاشوا أبشع معاناة، وتوالت إلى أن باتوا يعتنقون فكرة «الجحيم – حياة».. داهمهم حصارٍ أعمى وغبي، فصَبروا واقتنعوا، بأنه أرحم من الوباء الذي عزلهم ليقتصّ منهم، فاستعاذوا منه بحكمة «أيوب» النبي.
لازال الموت يخطف منهم روحاً إثر روح، ولازالت قلوبهم تنزف، ويضمِّدوها بآهاتهم والجروح.. تحوّلَ صمتهم إلى كلماتٍ جريئة، فكتبوا بها حكايا تارةً تنطقُ بالحزن، وأخرى بالفرح الكامن في الحقيقة.
حقيقة كونهم الشعب الذي يستحق الفرح لأنه يحتفي، بزغاريد الأناشيد التي تودِّع الأحزان وترتجي، أن يبقى الوطن مقيماً فيهم، يضيء الأمل الذي وحده يُحييهم.
هي حكمتهم ورسالتها.. رسالة الإله السوري «بعل» الذي باركَهم، ودعا كلّ منهم، للانصات لها ومن ثمَّ تلاوتها:
حطّم سيفك وتناول معولك واتبعني، لنزرع السلام والمحبة في كبدِ الأرض.. أنت سوريٌّ، وسورية مركز الأرض».
وصلت الرسالة، وحفظوها عن سابقِ وحاضرِ ولاحق عشقهم للحياة.. الحياة التي يعيشونها بتحدٍّ لا ينحني، وبكبرياءٍ أزلي.. بالعطاء المتواصل والحاصل، من بذرة المحبة التي زرعتها «عشتار» ومن فكرة الخلود والمواجهة التي استمدّوها، من «جلجامش» وأيضاً «أنكيدو» المقارعُ الجبار. أيضاً، من حكمة «لقمان»، وعدالة الحقِّ لدى الشهيد الحقوقي «بانيان»…
mayhoubh@gmail.com
5-1-2021
رقم العدد 1027