أسبوعان ويغادر ترامب البيت الأبيض، راضياً أم مكرهاً، بالحسنى أم بالقوة، وكل أساليبه الملتوية وتحشيده لأنصاره لن تسعفه في انتزاع السلطة، فالحكومة العميقة اتخذت قرارها بتولي بايدن مقاليد الحكم للفترة القادمة، وبغض النظر عن التداعيات الخطيرة المحتملة لرحيله، سواء في الداخل أم في الخارج، فإن ما خلفته السياسة الأميركية بعهده من كوارث سياسية وعسكرية يفترض أن تكون درساً لسلفه، أو بالأصح مقياساً للحكومة العميقة لإعادة مقارباتها وتعاطيها مع الأوضاع العالمية انطلاقاً من المتغيرات الدولية الحاصلة، بأن عصر الهيمنة الأحادية قد ولى، وأن نهج الغطرسة والقوة الغاشمة لم يعد يجدي نفعاً في مسار العلاقات الدولية، فالكثير من الدول واجهت ولم تزل سياسة البلطجة الأميركية، وأفشلت مخططاتها ومشاريعها، وأثبتت حضورها القوي والفاعل على مسرح الأحداث العالمية، وهي ماضية في سعيها لإحداث نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، شاءت أميركا أم أبت.
سورية واحدة من الدول التي استطاعت بمساعدة حلفائها وأصدقائها أن تكسر الهيبة الأميركية، وصمودها الأسطوري بمواجهة الحرب الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة، بني عليه تحالفات دولية بوجه الهيمنة الأميركية والغربية، وإدارة ترامب التي فاقت بوحشيتها كل ما ارتكبته الإدارات السابقة من جرائم بحق الشعب السوري، عجزت عن إخضاع سورية للمشروع الصهيو-أميركي، وهذه الإدارة لا تنفك حتى وهي في رمقها الأخير من عمرها السياسي تعكس عجزها وفشلها، نلاحظ ذلك من خلال إمعانها بدعم الإرهاب، وتقوية شوكة أذرعها من التنظيمات الإرهابية ” داعش والنصرة وقسد”، ونلاحظ ذلك أيضاً من خلال “قيصر” ومستنسخاته، وكل أشكال الضغط والترهيب التي تمارسها لمنع إيجاد حل سياسي ينهي معاناة السوريين، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن إدارة بايدن الجديدة ستكون أقل سوءاً، ويكفي أنها ستكون امتداداً لإدارة أوباما التي أوجدت داعش، وساهمت بانتشار الإرهاب، وشرعنت وجوده تحت مسمى “معارضة معتدلة”!.
قبيل انتهاء صلاحيته الرئاسية، يقرع ترامب طبول الحرب ضد إيران، هذا ما تشير إليه تهديداته المتواصلة، والتحركات العسكرية الأميركية التي تجري في المنطقة، والكثيرون يعزون هذا الأمر لنزعته الانتقامية، أو لإيجاد ذريعة تمكنه من التشبث في الحكم، ولكن بحال إقدامه على هذه الحماقة، فإن مثل هذا القرار لن يكون خارجاً عن إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن ورائهما الحكومة العميقة، رغم كل الوعود الانتخابية التي أطلقها بايدن لجهة إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي، وهذا مرده إلى أن استخدام منطق القوة الغاشمة، يشكل جوهر الاستراتيجية الأميركية لتثبيت هيمنتها، والاستمرار بفرض مفهوم القطب الواحد، ولكن هل سيكون بمقدور واشنطن لي ذراع إيران؟، وقد مارست إدارة ترامب أعلى درجات الضغط والترهيب السياسي والعسكري بحقها، وهل تظن أن اتخاذ طهران أقصى درجات ضبط النفس هو من موقع ضعف؟، فماذا إذا عن الإجراء الأخير الذي اتخذته برفع نسبة التخصيب ضمن استراتيجية رفع العقوبات، ألا يعد رداً واضحاً على الانتهاك الأميركي للاتفاق، ورد كذلك على التهديدات الأميركية، والأهم ألا يعني ذلك أنها على أتم الجهوزية لمواجهة أي عدوان؟، فهل تأخذ أميركا “ترامب أو بايدين” في حسبانها ارتدادات أي مغامرة عسكرية محتملة على وجودها الاحتلالي في المنطقة ككل؟، وعلى الأمن والسلم الدوليين من ناحية أخرى، وما يترتب على ذلك من ضياع المزيد من هيبتها العسكرية والسياسية.
سياسة ترامب جسدت الوحشية الأميركية بأبشع صورها، ولكن هذه السياسة لم تجن من ورائها الولايات المتحدة سوى المزيد من كراهية شعوب العالم لها، ودفعت القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها روسيا والصين، إضافة لدول محور المقاومة وفنزويلا وكوريا الديمقراطية وكوبا، وغيرها الكثير من الدول المناهضة لسياسة البلطجة الأميركية لتوحيد جهودها من أجل التصدي لنهج الهيمنة والتسلط الذي تسعى الولايات المتحدة لتكريسه بما يخدم أطماعها ومشاريعها الاستعمارية التوسعية، والجميع يلاحظ اليوم أن هذه السياسة تنتقل من فشل إلى آخر، وارتدادات هذا الفشل لا بد وأن يصيب الداخل الأميركي نفسه، فهو بات مهدداً بنيران الكراهية والعنصرية التي أزكى أوارها ترامب، فهل تتعظ أميركا من دروس فشل سياساتها العدائية وتعيد بناء حساباتها من جديد؟… تاريخها الإجرامي يؤكد عكس ذلك.
من نبض الحدث- ناصر منذر