الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
في مشهد مثير، قفز الجرذان الجمهوريون من سفينة ترامب، مدَّعين أن اقتحام مجموعة من الرعاع المتعصبين مبنى الكابيتول قد أزال الغمة عن أعينهم، ليتوصلوا إلى ما ألم بدونالد ترامب من إخفاق.
أما مناوئو ترامب، فانتابهم الغرور، لأنه بات بإمكانهم شجب تصرفاته، نتيجة ما قام به من تحريض على “التمرد العنيف” و”محاولة الانقلاب”، مقارنين عملية الاقتحام بحرق البريطانيين لواشنطن عام 1814، وما جرى في بيرل هاربور عام 1941، ولكن بتقديرنا أن ثمة مغالاة في تلك المقارنة، لأن ما حصل لم يكن عملية منظمة للاستيلاء على السلطة، بل مجرد محاولة نظمها ترامب الذي لم يعد في موقف يسمح له بإظهار استيائه من أشخاص يسعون لتبييض صفحاتهم خدمة لمصالحهم الخاصة.
اللافت أن احتلال مبنى الكابيتول جرى خلال مدة وجيزة، لأن عناصر شرطة الكابيتول البالغ قوامها 2000 عنصر، المخصصة بميزانية سنوية تصل إلى 460 مليون دولار، لم تُظهر سوى مقاومة خجولة، في حين كشفت مقاطع فيديو تسهيل بعض الحراس لعملية الهجوم، ولم يكن مستغرباً أن يلقى ذلك التصدي الهزيل لأنصار ترامب إدانة واسعة النطاق، ويُقارن مع ردهم الوحشي لمحتجي حركة “حياة السود مهمة” في العام الفائت، والجدير بالإشارة أنه قلما تتطرق نشرات الأخبار للحديث عما تمارسه الشرطة الأميركية من تحيز عنصري الذي لم يكن واضحاً ومعلناً بهذا الشكل في السابق.
كان من الممتع مشاهدة المشرعين الجمهوريين يلوذون بالفرار من مبنى الكابيتول، تحسباً من نشطاء ترامب الذين تُستغل كراهيتهم بحبور منذ زمن بعيد، أما الأمر الأكثر أهمية، فيتمثل في معرفة ما سيفعله الحزب الجمهوري إثر انتهاء هذه الضجة، ولا سيما في ضوء بذل الديمقراطيين قصارى الجهود لعدم تكرار ما وصفوه بتمرد مماثل لما جرى في 11 أيلول، علماً أنه قبل أسبوع واحد فقط كان من المحتمل أن يبقى ترامب أقوى شخصية في الحزب الجمهوري لسنوات قادمة، ولكن عقب ما حصل، فإن الأحوال ستتغير.
شكلت الأحداث الدرامية نقطة تحول في تاريخٍ لم يشهد حدوث مثيلٍ لها، وبتقديري أن الضجة التي أحدثتها عملية الاعتداء على الكابيتول، ستبقى ماثلة في الذاكرة، على الرغم من اختلافها عن اقتحام الباستيل، وربما يشابه هذا الغزو هجوم جون براون المناهض للعبودية على هاربرز فيري عام 1959.
لقد كان ذاك اليوم كارثياً على ترامب والترامبية نظراً لسلسلة الكوارث التي تعرضوا لها في آن واحد، ففي مدة قصيرة انقلب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ونائب الرئيس مايك بنس علناً على ترامب، الأمر الذي رافقه إعلانهما الرسمي عن القبول بتولي جو بايدن رئاسة البلاد، وبتلك العملية فاز الديمقراطيون بمقعدين في مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، ما منحهم الأغلبية في المجلس، ودفع بغالبية الجمهوريين لإلقاء اللائمة على ترامب، وغطى ذلك الانقلاب على حدث اقتحام رعاع ترامب لمبنى الكابيتول، الذي جرى تصوير ملابساته ونشرها في أنحاء العالم كافة، ومؤخراً أغلق موقع توتير حساب ترامب مؤقتاً، وحذف بعضاً من تغريداته الاستفزازية، ففقد الرئيس أهم وسيلة تواصل مع أنصاره في مدة وجيزة، وهذا قد يحصل مرة ثانية، وحتى اللحظة قد يخال أنه لم يخسر سوى البيت الأبيض، وأنه لا يزال الشخصية المسيطرة في الحزب الجمهوري، لذلك من المرجح أن يعد خطاباً لإلقائه عبر شبكة فوكس نيوز يقول به إن المرشحين الجمهوريين الذين لم يحققوا الفوز دونه سيتنافسون على دعمه، وقد يكون مرشحهم الرئاسي في عام 2024، ولديه فرصة للنجاح.
وبعد أقل من يوم تلاشت تلك الاحتمالات، وبدا ترامب رجلاً مهزوماً، عندما أدان المتظاهرين من أنصاره، وطالب بمعاقبتهم، علماً أنه قبل بضع ساعات كان يحرضهم، ويثني على سلوكهم، وقد بدا حزيناً وبائساً لشعوره بانحسار سلطته السياسية.
على مدى سنوات أربع، انشغلت أميركا والعالم بأسره بهذا الرجل الذي تصدر عناوين الأخبار، وعلى الرغم من سقوطه فلا يزال الهوس بترامب مستمراً داخل المعسكرين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء.
ومع ذلك، يشكل ترامب الأعراض والمسببات لإفراز قوات سياسية واجتماعية قوية، بعضها عالمي، وبعضها خاص بأميركا، إذ يحظى بالتمجيد من قبل ما يدعى حركة النخبة الثرية الشعبوية، التي تجمع الأثرياء الذين يشكلون 1%، وتبذل المساعي لتخفيض الضرائب، وإلغاء القيود، بالإضافة إلى شريحة واسعة تركز على الهوية العرقية والدينية والثقافية.
وهناك الكثير من القادة المنضويين بهذه الحركة في العالم، لكن أياً منهم ليس لديه مهارة وفعالية ترامب، الذي قطع وعوداً ضبابية لم يفِ بها، على غرار إعادة الوظائف ذات الأجور العالية لما كانت عليه سابقاً في أميركا، وتأسيس البنية التحتية المتداعية للبلاد، بيد أنه فعّل البرنامج التقليدي الجمهوري المتعلق بخفض الضرائب، ورفع القيود، وخير مثال على ذلك ما جرى في أسابيع الفوضى الأخيرة، عندما باعت إدارته حقوق استخراج النفط في محمية القطب الشمالي الوطنية في آلاسكا.
تأخذ حركة النخبة الثرية الشعبوية شكلاً مستقلاً في أميركا، نظراً لتاريخ البلاد، ونجاح المتغيرات السامة للقومية الأميركية المهيمنة على الحزب الجمهوري، مستمدة جذورها من الثقافة القائمة على العبودية والحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وقانون جيم كرو للتمييز العنصري ضد السود، ويبدو أن ترامب لديه خبرة في العزف على أوتار العنصرية، مستغلاً التوتر والذعر في الثقافة الأميركية، علماً أنه لم يخسر الانتخابات الرئاسية لهذا السبب، بل نظراً لإخفاقه في التعاطي مع كوفيد 19.
فهل يخال ترامب أن لديه مستقبلاً سياسياً عقب أحداث الأسبوع الماضي الكارثية؟ ربما لم يعد يعتقد ذلك، ولا سيما بعدما أظهر سباق مجلس الشيوخ في جورجيا الخاسر والرابح في التصويت، ومن المؤكد، بأن زعران ترامب أقل بكثير مما جرى تصويرهم، ولكن يطمح الجمهوريون لإدارة البلاد دون تفجير الوضع.
يقال بأن الحزب الجمهوري يكن البغضاء لناخبيه، وربما يمقتهم، الأمر الذي برز جلياً عندما لاذ قادته بالفرار من غوغائيين تصرفوا بناء على رؤية ترامب المعتوه لأميركا.
المصدر: The Independent