تطورات واشنطن التي فاجأت العالم ولم تفاجئ الأميركيين – وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق باراك أوباما – بحكم معرفته بالمجتمع الأميركي، ليست أحداث العنف التي جرت داخل وخارج مبنى الكابيتول، فمثل هذه الأحداث تتكرر دائماً في الولايات المتحدة وينتج عنها عشرات الضحايا أحياناً، وإنما الصورة الهشة والكاريكاتورية التي ظهرت عليها (الديمقراطية) الأميركية المزعومة والتي يراد تسويقها في كل أنحاء العالم بالإكراه والقوة..!.
فالرئيس المنتهية ولايته والخاسر في انتخابات الرئاسة (دونالد ترامب) يرفض الاعتراف بالنتائج، وقد ظهر على صورة رجل عصابات، يحرك مثيري الشغب والفوضى والغوغاء في الشارع (ألفاظ استخدمها مسؤولون أميركيون) ويدعوهم لمخالفة القانون ويحرّضهم على العنف والتمرد على السلطة التشريعية (الكونغرس) التي صادقت قبل أربع سنوات على فوزه المثير للجدل، والخطير في الأمر أنه لايزال الأنموذج المفضل لدى 74 مليون أميركي صوتوا له في الثالث من تشرين الثاني الماضي، أي أن ما يقارب نصف المجتمع الأميركي (وخاصة البيض) لا يؤمنون باللعبة “الديمقراطية” المتفق عليها، وهم على استعداد لتحويل البلاد إلى جمهورية موز(حسب وصف الرئيس الأسبق جورج بوش) تلبية لنزعاتهم العنصرية والفاشية، وهذا ما يجب أن يقلق منه الأميركيون والعالم، لأن من يقوم بهذه الأفعال في بلده لا يتحرج من فعل ونقل الأسوأ منها إلى أي بلد آخر.
الحالة أو الصورة البائسة التي ظهرت عليها واشنطن بالأمس من هجوم أنصار ترامب على الكونغرس (السلطة التشريعية المنتخبة) وتحطيم وتكسير محتوياتها وإثارة العنف فيها ومحاولة أخذ البلاد إلى المجهول، هي نفس الحالة التي نقلتها واشنطن في العقد الأخير إلى العديد من مناطق العالم – منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص – تحت عنوان الفوضى الخلاقة، وهذا ما يستوجب التحول سريعاً إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب تترسخ فيه مبادئ السيادة والاستقلال وحرية الشعوب، نظام عالمي يمنع الولايات المتحدة من التفرد بتقرير مصير الشعوب والأمم، وإشاعة الإرهاب والخراب والدمار والقتل بحجة استنساخ الأنموذج الأميركي في الحكم، والذي أثبتت الأربع سنوات الماضية أنه الأسوأ، حيث يمكن أن يتربع على رأس السلطة شخص متهور أحمق لا يرى أبعد من أنفه..!.
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود