تراجع كثيراً الذين اعتبروا العالم في ظل الانتصارات المتتالية للرأسمالية العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا سيما مع سقوط المعسكر الاشتراكي وفي مقدمته الاتحاد السوفييتي، عن جرأة تصوير ذلك كنهاية للتاريخ .. تراجعوا تحت مسلسل الخيبات المتتالية للرأسمالية الذي أظهر العجز الذي سيعانيه العالم مع انتهاء مرحلة القطبين المتحكمين فيه.
تراجعوا قبل أن يظهر العالم كامل حالته ..!! قبل أن تظهر الرأسمالية عجزها الكلي .. ليس عن إعادة رسم التاريخ كما تريد .. وكما نظر منظروها الأصليون والملتحقون بركبهم من الاشتراكيين اليساريين المفلسين .. بل عن المتابعة في كتابة رايات النصر وإظهار المقدرة غير المحدودة لها.
بل قبل أن تتراقص وتتلوى وتكاد تركع وتنهار أمام معطيات العالم الجديد شبه المفلس.
وعوضاً عن انتشار رايات السلام والتجارة الحرة المفتوحة والإنسانية العابرة للحدود والقوميات .. والصحة والأمن والغذاء .. والسلام .. للجميع .. انتشرت الحروب ومعها الفقر، إلى درجة الجوع والمجاعات .. وأظهر الفكر المبشر بنهاية التاريخ لصالح العالم الرأسمالي مفتوح الحدود .. عودة إلى التقوقع .. داخل البلدان ولا سيما الرأسمالية وتوابعها. وصرخت الرأسمالية العالمية بأعلى صوتها وبلسان الرمز الأميركي الذي سعى لتصوير نهاية التاريخ قائلة: أميركا أولاً.. وكان ذلك هروباً من فرضيتهم لنهاية التاريخ وعودة إلى الدولة الوطنية التي ما لبست أن ارتكزت على قواعد الاستبداد أولاً ..
مع صرخة “أميركا أولاً” كان إعلان الإفلاس الأخير للرأسمالية “المعولمة” للولايات المتحدة .. واقتضى الأمر تشتت العالم والعودة لقواعد الحروب بين شعوب وأقطار .. ليشهد العالم بداية أزمة تتجاوز كل ما عاشه من أزمات .. وليصغر ويضعف ثم يكتب سفر العجز الحديث في أزمته المعاصرة .. وليقف صاغراً ليس أمام وباء كورونا بفيروسه الضعيف وحسب .. بل حتى أمام رعاع الحروب العنصرية والأميركية منها على وجه التحديد ..
في أعلى مواقع وصروح وأبراج الرأسمالية العالمية .. كان الفيلم الحي .. فيلم جرى تماماً على الطريقة الأميركية .. دون أن تصوره هوليود أو أن يخرجه مخرجوها ..وليس الرئيس ترامب هو من أخرجه وصوره، كما أنه ليس هو الذي نده: أميركا أولاً .. بل كان ينطق باسم قاعدة السقوط المريع للرأسمالية العالمية في أزمتها الجديدة..
اليوم يعود العالم ليتشكل من جديد على قواعد الاستبداد والاستعمار والحاجة الأكيدة للدول والشعوب المضطهدة للعودة لمقارعته مجدداً مع إسقاط كل النظريات التي ورثت لنا كحتميات..
لا الصين ستقود عالماً بديلاً ولا أميركا ستخرج من حالتها المحرجة ولا أوروبا ستستعيد شبابها.. ولا فتات الأغنياء سيشكل حلاً لمعد العالم الخاوية..
إنها الأزمة الجديدة للعالم وشعوبه .. ولن ينفع معها الحلم المتكاسل على تخومها.
معاً على الطريق – أسعد عبود