الإنسان بين الاستهلاك والنمذجة

 الملحق الثقافي:د. عدنان عويّد:

إذا كان الاستهلاك في سياقه العام، يعني استخدام المنتج الاجتماعي في عملية تلبية الحاجات الإنسانية، المادية والروحية منها، فإن الاتجاه الاستهلاكي في المجتمع الاستهلاكي، كما نراه هنا، ليس مجرد سعي للاستهلاك من أجل أن يظل الإنسان عبر استهلاكه لحاجاته، إنساناً له قيمته ومكانته الإنسانية العالية والمتميزة عن بقية ما يحيط به من مخلوقات أو كائنات، بقدر ما هو استهلاك من أجل الاستهلاك. أي استهلاك منتزع من صلته العضوية بالقيم الإنسانية، وبعملية الصرف الإبداعي للإمكانات والقوى التي يؤديها الإنسان ذاته ثمناً لحق الإبداع.
إن استهلاك الإنسان للأشياء في زمننا هذا، أصبح ثمناً في مجتمعاتنا، لفقدان الشخصية والسعي لنمذجتها، فالأشياء المنتجة لم تعد تشكل شروط عيش ونشاط الإنسان، بل تحولت إلى مثيل له. أي إن الأشياء التي يملكها الإنسان، أصبحت هي المقياس الذي يحدد قيمته وسمعته وثقله وتأثيره على غيره أو أمثاله.
ومن نافل القول، التأكيد أن علاقة الإنسان بالشيء «السلعة»، لا يجوز فهمها على أنها استخدام ذو اتجاهٍ واحد من حيث امتلاكه أو استهلاكه. إن علاقة الإنسان بالشيء «السلعة» في سياق هذا التصور، قد أفقدت هذه العلاقة جوهرها الإنساني. أي إن الشيء لم يعد ذا قيمة إنسانية تنطبع فيها كل عملية التطور التاريخي الطويلة. أو بكلمة أخرى، لم تعد تظهر في الشيء المنتج والمعد للاستهلاك تلك الجهود والتجارب والمعارف والأذواق والإمكانات وحاجات الأجيال العديدة من الناس.
نعم، ففي الشيء المؤنسن، تتجلى حظوة الإنسان وتاريخه وإبداعه الحقيقي وسيرته الاجتماعية وعناصر فرديته وحياته الإنسانية الواقعية.
إن كل هذه القيم الإنسانية للشيء، أفقدتها طبيعة المجتمع الاستهلاكي التي أفرزتها الآلة المسخر إنتاجها للمالك فقط أولاً، وما حققته هذه الآلة في اقتصاد السوق الشره الذي سلع الإنسان نفسه مادياً وروحياً وغريزياً، مثلما سلع الأيديولوجيات المفوّته حضارياً ثانياً، هذه الأيديولوجيات التي راحت تعمل على خلق إنسان جديد ذي بعد واحد، لا يرى نفسه والعالم المحيط به، وكلّ تاريخه الماضي والحاضر والمستقبل، إلا من خلال ما رسمته له هذه الأيديولوجيات المشبعة بالغموض والفوضى والعنصرية، فأمام كلا المعطيين «الآلة والأيديولوجيا» لم يعد الشيء بالنسبة للإنسان، سوى وسيلة ليس لها أية قيمة إلا القيمة التي تحقق أهداف الآلة والأيديولوجيا. أي أهداف اقتصاد السوق، وأهداف الأيديولوجيا التي تخدم مصالح قوى اجتماعية سياسية ذات أبعاد أنانية ضيقة.
الاستهلاك المادي والثقافي هنا، يتحول في النتيجة من وظيفة اقتصادية وثقافية ذات بعد إنساني/ اجتماعي، إلى عقيدة ذوق وسلوك وأسلوب حياة لإنسان معلَّب، أي إنسان هو ذاته قابل للاستهلاك.
إن أحط أنواع الاستهلاك الذي يمارس على الإنسان، يظهر في الدول الشمولية. إنه استهلاك القوى الحاكمة لمن يتعاون معها سياسياً، فهذه القوى يهمها مصالحها فقط، وبالتالي هي تقوم باستثمار من يصفق لها، وعند انتهاء دوره ترميه في مزبلة التاريخ، وتبحث عن غيره ليخدم مصالحها حسب الظروف التاريخية المعيشة.
كاتب وباحث من سورية
d.owaid333d@gmail.com

التاريخ: الثلاثاء26-1-2021

رقم العدد :1030

آخر الأخبار
2.5 مليون دولار لدعم مراكز الرعاية  من مجموعة الحبتور   السعودية تمنح سوريا 1.65 مليون برميل دعماً لقطاع الطاقة وإعادة الإعمار  حملة “دير العز”.. مبادرة لإعادة صياغة المشهد التنموي في دير الزور إقبال كبير في طرطوس على حملة للتبرع بالدم  الشيباني: سوريا تدعم مبادرات السلام والاستقرار الإقليمي والدولي "الأشغال العامة": الانتهاء من تأهيل أتوستراد دمشق - بيروت آخر أيلول  القانون الضريبي الجديد بين صناعيي حلب والمالية  أزمة البسطات في حلب.. نزاع بين لقمة العيش وتنفيذ القانون  جسر جديد بين المواطن والجهاز الرقابي في سوريا  90 مدرسة خارج الخدمة في الريف الشمالي باللاذقية  غلاء الغذاء والدواء يثقل كاهل الأسر السورية بعد تدشين سد النهضة..هل تستطيع مصر والسودان الحفاظ على حقوقهما المائية؟! قافلتا مساعدات أردنية – قطرية إلى سوريا 90 بالمئة من الأسر عاجزة عن تكاليف التعليم الحد الأدنى المعفى من الضريبة.. البادرة قوية وإيجابية.. والرقم مقبول عملية نوعية.. القبض على خلية لميليشيا “حزب الله” بريف دمشق "الإصلاح الضريبي" شرط أساسي لإعادة الإعمار المال العام بين الأيادي العابثة أرقام صادمة .. تسجلها فاتورة الفساد في قطاع الجيولوجيا الأسعار في ارتفاع والتجار في دائرة الاتهام سرافيس الأشرفية – جامعة حلب.. أزمة موقف بين المخالفات ومعيشة الأسر