الثورة أون لاين – بقلم مدير التحرير – أحمد حمادة:
إنه المشهد الساخر في أميركا، حيث يقوم الرئيس الجديد جو بايدن بطيّ قرارات عديدة كان سلفه ترامب قد اتخذها، ووجه السخرية هنا أن مؤسسات أميركا السياسية والاستخبارية وإعلامييها كانوا أيام ترامب يطبّلون لتلك القرارات، ويصفقون لصاحبها، ويحثونه على إصدار المزيد منها، واليوم نراهم يطبّلون لبايدن ويصفقون له لأنه طواها، وينعتون سلفه بالجنون والغطرسة ويصفونه بالمجرم، لكن السؤال الأهم اليوم: هل يكفي أن يقوم بايدن بطيّ مثل هذه القرارات؟!.
فهل يكفي مثلاً أن يقول إنه سيعيد انضمام بلاده إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات والهيئات الدولية المختلفة التي انسحب ترامب منها على مدى السنوات الأربع الماضية؟ وهل العودة مثلاً إلى اتفاقية “باريس للمناخ” من شأنها أن تحسّن صورة واشنطن وصورة سياستها الخارجية؟!.
هل مجرد التصريح برغبته بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران يثبت نياته بطيّ ملف “العنتريات الترامبية” أم إن الأمر يحتاج إلى خطوات كبيرة وحاسمة بهذا الاتجاه؟ وهل سيوافقه الكونغرس بغرفتيه “النواب والشيوخ” على مثل هذا الأمر؟ وهل ستبارك الحكومة العميقة في أميركا كل ذلك؟.
يقولون في أميركا، ممن يحاولون تجميل وجهها القبيح، إنهم يريدون تصويب كل شيء فعله ترامب وألحق الضرر بمصداقية بلدهم، ويروّجون أن سياسة الولايات المتحدة يمكن أن تتغير كثيراً عندما تتغير إدارتها، لكن الواقع يشي بغير ذلك تماماً.
فلا تعهد بايدن بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة سيحسن بيئة العالم، ولا قراره العودة إلى منظمة الصحة العالمية سيقضي على كورونا، فالأمر لا يحتاج إلى تعهدات بل إلى أفعال على الأرض.
ولا تعهّد بايدن بالعودة للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان سيضمن حقوق البشر التي تنتهكها أميركا ليل نهار، بل وقف عدوانها على الشعوب هو الذي يحقق ذلك، وعدم تسييس تقارير المجلس حول سورية وتزييفها هو الذي سينصف السوريين ولا شيء آخر.
لا الشراكة عبر المحيط الهادئ ستجعل أميركا مقبولة على مستوى العالم، ولا مواصلة بايدن جهوده لإحياء “نيو ستارت” ستبدد مخاوف العالم من أسلحة بلاده، بل خطواتها العملية على أرض الواقع، فكم كذبت أميركا على العالم بمسائل حقوق الإنسان والتسلح وإذ بها تمارس العكس على أرض الواقع.
لا التعهدات بالعودة إلى معاهدتي “الأجواء المفتوحة” و “تجارة الأسلحة” ستجعل العالم يصدق واشنطن، ولا التعهد بالعودة لاحترام اليونسكو سيزيل المساحيق عن وجه البيت الأبيض بل الأفعال الحقيقية وحدها التي ترسخ هذا الاحترام وذاك التصديق.
العالم يحتاج من أميركا “بايدن” الكفّ عن سياسات العدوان والإرهاب والغطرسة وحصار الشعوب واحتلال أراضيها، والكفّ عن انتهاكها لحقوق الإنسان والدوس على كرامته وآدميته، ويحتاج منها عدم سرقتها ثروات البشرية ومواردها وليس مجرد التعهدات والتمنيات والقرارات التي لا تزال “حبراً على ورق” ولا تسمن ولا تغني من جوع!.