الثورة أون لاين – تحقيق جهاد اصطيف:
مصطلح الـ “أمبير” ذلك الوافد الجديد الذي اقتحم حياة المواطنين في حلب قبل سنوات عدة وتحديداً في العام ” ٢٠١٣ ” لم يعد جديداً لأن الأهالي في حلب اعتادت على التعايش والتأقلم معه حتى قبل أن يفكر أي رب أسرة بتأمين لقمة العيش لأولاده رغم قساوة وصعوبة الظروف المعيشية لشرائح واسعة من المواطنين ، لا بل وبات محور أحاديثهم اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
* السبب غياب التيار الكهربائي ..!!
للأسف الشديد يمكننا القول ببساطة إن الحلبيين اعتادوا على غياب التيار الكهربائي المغذي لمساكنهم ومواقع عملهم منذ وقت طويل ليستبدلوها كما قلنا بهذا الوافد “الاستثماري بامتياز “إن صح التعبير ليتم من خلاله تزويد المشتركين به عبر مولدات كبيرة تعمل على المازوت و تتمركز إما بجوار الحدائق أو الساحات الشاغرة في كل حي وزاوية ، مقابل دفع مبالغ مالية باهظة للغاية تقدر بالمليارات التي نزفت من جيوب المواطنين على مدار السنوات السبع أو الثماني الماضية.
* تطور ملحوظ بأسعار ” الأمبيرات”
عندما بدأت مسيرة ” الأمبيرات المبجلة “هذه كما قلنا في العام “٢٠١٣” استبشر الأهالي فيها خيرا لأنهم وجدوها الخلاص الوحيد لهم من الظلمة التي غرقت فيها حلب آنذاك بسبب الحرب الإرهابية القذرة التي شنت عليها طيلة السنوات الماضية ، حيث كان وضع ” الأمبير ” كساعات تشغيل وأجور ومعاملة من قبل أصحاب المولدات في حدود المعقول خاصة وأن الحكومة كانت تزود هؤلاء بالمازوت إلى أن تم إيقاف العمل بتزويدهم بالمازوت لتشهد مسيرة ” الأمبيرات ” بعدها تطوراً ملحوظاً في كل شيء بدءاً من رفع سعر الأمبير إلى أكثر من الضعف أي حوالي الألف ليرة للأمبير الواحد أسبوعياً مع بداية العام “٢٠١٧ ” تقريباً ، لتستمر هذه الحالة لفترة ليست طويلة وتبدأ معها رحلة رفع التسعيرة بشكل جنوني منذ عام تقريباً ليصل سعر ” الأمبير ” الواحد في الوقت الحالي أسبوعياً إلى نحو (٥٠٠٠) ليرة وفي بعض الأحياء أكثر من ذلك أو أقل بقليل .
* ومازوت السوق السوداء ينتعش
ولعل السبب الذي طالما يتزرع به أصحاب المولدات هو عدم توفر المازوت أو أنهم يبتاعون المادة من السوق السوداء بأسعار مضاعفة عن السعر النظامي.. والسؤال الذي لم ولن يغادر أذهان المواطن في حلب ، كيف يحصل هؤلاء على المازوت من السوق السوداء ويقومون بتشغيل مولداتهم التي لم تتوقف عن العمل يوما ؟.
وهنا تبدو من الوهلة الأولى الإجابة عن هذا التساؤل بغاية الصعوبة لأن المواطن بحلب يعي تماماً أن مادة المازوت التي ترد إلى حلب حسب المعنيين – دون تصريح رسمي طبعاً – قليلة وأحيانا قليلة جداً ، لكن في حقيقة الأمر الإجابة مرة لا بل مرة جداً وباتت معروفة للقاصي والداني وإلا كيف يقوم هؤلاء أي أصحاب المولدات بتشغيل مولداتهم دون انقطاع !
* المواطن لا تنقصه مصاريف إضافية
يقول عبود من سكان حي العزيزية : “الكهرباء النظامية باتت تطل علينا في المناسبات فقط ، ولا يمكن الاعتماد عليها إطلاقاً، لذلك قمنا بالاشتراك في “الأمبير” بشروط مجحفة تبدأ بالسعر الباهظ ولا تنتهي عند تجاوز ومخالفة صاحب المولدة إما بعدد ساعات التشغيل أو التسعيرة المحددة من قبل المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حلب ” .
سهى والدة خمسة أبناء ، المرأة الخمسينية تصف حال الكهرباء في المدينة بالقول : “لا أتذكر متى كانت المرة الأخيرة التي استعملت فيها المصعد للوصول إلى منزلي في الطابق الثالث ، نعتمد على ” الأمبير” حتى ساعات الليل الأولى ، ثم نستعين بالليدات (تعمل على البطارية) لإكمال سهرتنا” .
ويهمس أبو إياد أن سبب عدم ضبط أسعار وساعات تشغيل مولدات ” الأمبيرات” في حلب يعود لكونه مستثمراً من قبل أناس غايتها الربح المادي بأي طريقة كانت ، حتى ولو على حساب نزف جيوب المواطن الذي لا تنقصه مصاريف أخرى أرهقت كاهله بالأصل.
هامش ربح بسيط ولكن..!
كلام يرد عليه عادة أصحاب المولدات بالقول أن “السعر المحدد من قبل المحافظة لا يحقق إلا هامشاً بسيطاً من الربح ، مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبات تأمين المازوت وقطع التبديل اللازمة لإصلاح المولدات” .
ويضيف هؤلاء : “كثيراً ما نلام على توقف المولدة نتيجة عطل ما ، دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المولدات تعمل لساعات طويلة دون توقف وبالتالي كمثل أي محرك أو جهاز ميكانيكي فهي عرضة للأعطال التي قد يطول تصليح بعضها” .
* جردة بسيطة
وبعيداً عن التسعيرة الرسمية التي لم يلتزم فيها أي صاحب مولدة بحلب بعد أشهر من صدور القرا ر، وبحساب بسيط فإن الكمية المطلوبة لتشغيل الأساسيات المنزلية تبلغ على الأقل ثلاثة “أمبيرات” أسبوعياً ، ما يعني دفع أكثر من (٦٠) ألف ليرة سورية شهرياً من أجل الحصول على عدد محدد من ساعات تشغيل يومياً ، ما يعتبر مبلغاً مجهداً بالمقارنة مع أصحاب الدخل المحدود ولن نقول الموظف لأنه إذا أراد أن يشترك بثلاثة أمبيرات
فهذا يعني أن راتبه كله سيذهب لصاحب المولدة المشترك فيها.
* ختامها ..ماذا بعد؟
أمام ذلك كله اتصلت ” الثورة أون لاين ” مع مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب المهندس أحمد سنكري طرابيشي الذي أوضح أن الإجراءات التي تتخذها المديرية تتمثل بتنظيم الضبوط بحق المخالفين للقرارات التي تصدر من قبل الجهات المعنية بهذا الشأن وخاصة تقاضي أجور زائدة من المواطنين وتحال إلى الجهات المختصة .
وأضاف سنكري طرابيشي أن المديرية قامت حتى الآن بتنظيم (١٠٢) ضبوط بحق المخالفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية الذين خالفو قرار المكتب التنفيذي الأخير والذي كان يقضي بتحديد مبلغ /٤٥/ ليرة سورية عن كل ساعة تشغيل فعلية .
وأكد مدير التجارة الداخلية أن مراقبي المديرية تم تقسيمهم إلى قطاعات تغطي أحياء المدينة ومتابعة الأسعار وفق برامج التشغيل المحددة وكذلك متابعة الشكاوى التي ترد إلى المديرية من المواطنين ويتم إرسال جداول المراقبة إلى مجلس المدينة إما لإلغاء الترخيص أو استبدال المولدة بأخرى .
* قرارات ولكن
لم يبق أمامنا سوى أن نذكر أن المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حلب ، أصدر في شهر تشرين الماضي القرار رقم ٣٧٠ ، الذي قضى بتحديد سعر الأمبير الواحد لكل ساعة تشغيل فعلية يومياً لمولدات الأمبير المرخصة ضمن المحافظة بمبلغ ٤٥ ليرة سورية ، وألغى العمل بالقرار رقم ٢٥ بتاريخ ٩ آذار الماضي ، الذي حدد ساعة التشغيل بـ٢٥ ليرة .
وفرض المكتب التنفيذي القرار رقم ٢٥ على مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك توجيه دورياتها إلى مولدات الأمبير في جميع أحياء حلب ، وفي ضوء كل ذلك مازال المواطن هو ضحية كل تلك الإجراءات .
تصوير : خالد صابوني