الأنثى ومأساة النبوغ من كاميل كلوديل إلى مي زيادة

الثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:

ربما كنا نظن أن مأساة مي زيادة هي الأكثر قهراً وظلماً وأن المرأة العربية وحدها من عانت من ظلم ذوي القربى لأنها مبدعة.. ولكن الوقائع تدل على أننا لسنا على صواب فيبدو إسقاط الحاضر على الماضي أن المرأة العربية كانت منذ العصر الجاهلي(بمعنى العنفوان والكبرياء… لا الجهل المعرفي) كانت سيدة التألق في الإبداع.. من الخنساء إلى كل شواعر العصر الجاهلي.. المرأة ند الرجل في كل شيء وعلى رأس القائمة الإبداع.
من هنا علينا أن نخرج من نمطية التفكير أنها كانت في الصف الأخير.
أما عن المأساة التي وقعت على مبدعتين فرنسية هي كاميل كلوديل وعربية هي مي زيادة .. التفاصيل تكاد تكون واحدة.
كاميل كلوديل..
مأساة كلوديل ..
في العدد الأخير من الحياة السينمائية(١٠٥) يكتب هادي ياسين من العراق بحثاً مهماً عن كلوديل تحت عنوان .. كاميل كلوديل زهرة النحت التي انتهت في مصحة.
كلوديل كما يقول هادي ياسين مولودة عام ١٨٦٤م، عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها تمكن منها عشقها للنحت وكان المجتمع البرجوازي الفرنسي يحرم ذلك على الفتيات … والدتها وأخوها المتزمت دينياً وقفا ضد ذلك.
أستاذها باوتشر أوصى بها أستاذها الجديد أوغست رودان.
وقد عرف أنها موهبة غير عادية وهي تطوع الصلصال بين أصابعها وتحوله إلى منحوتات تترجم خيالها الجامح غير التقليدي فكانت رعايته لها .. ومع الأيام نشأت بينهما قصة حب
ودون الغوص في التفاصيل رماها أخوها الشاعر بول كلوديل في مشفى الأمراض العقلية كما سيحدث لمي زيادة فيما بعد.. يقتطف هادي ياسين من الفيلم الذي يروي قصتها التالي.. في أحد المشاهد يستدعيها الطبيب ويسألها .. كيف تسير الأمور … تجيب: أنا هنا من دون أن أعرف السبب إلى متى ستدوم هذه المهزلة .. إلى متى.. أود أن أعرف.. أنا محتجزة هنا كما لو أني مجرمة .. بل وأسوأ من ذلك لا محامي لدي … وحتى عائلتي لا تريد مساعدتي للخروج من هنا ومن هذا الجحيم .. لقد حرمت من حريتي من الدفء.. من الطعام ووسائل الراحة هذا يحولني إلى ما تريدون أن أكون عليه.. لا أستطيع مقاومة الحزن الذي يغمرني أمي وأخي خذلاني بأشد الطرق قسوة .. وتتمنى على الطبيب العمل تحريرها مما هي فيه … إذ لا تريد رفع دعوى للحصول على ذلك.
تمضي الأمور إلى نهايتها حيث تموت جائعة بعد أن نهب الألمان في العالمية الثانية كل مؤونة المصح الذي وضعت فيه جنوب فرنسا.
وكان الكثيرون قد تمنوا على أخيها بحكم مكانته كدبلوماسي وشاعر أن يخرجها مما هي فيه فكان جوابه: إن الله سلبها عقلها والله أدخلها المصح وهو الذي يخرجها ويمنحها الحياة الطبيعية.
ظلت في المصح إلى أن ماتت كما أشرنا عام ١٩٤٣ بسبب الجوع ودفنت بمكان مجهول.

مي زيادة والمأساة نفسها..
ما من قارىء عربي إلا ويعرف ما قدمته مي زيادة للأدب العربي .. وكم من الكتاب والشعراء ضم صالونها الأدبي في القاهرة وكم أغرم بها مبدعون … لكنها أغرمت بواحد فقط هو جبران خليل جبران الذي لم تلتقه إلا عبر الرسائل… وحين توفى كتبت .. هنا تبدأ مأساتي… وقد جمعت السيدة سلمى الحفار الكزبري الرسائل المتبادلة بين مي وجبران في كتاب حمل اسم الشعلة الزرقاء صدر عن وزارة الثقافة السورية عام ١٩٧٩.
وفي كتابها الضخم والمهم جداً الذي جاء في مجلدين وتحت عنوان مي زيادة أو مأساة النبوغ .. تقدم الكزبري في المجلد الثاني بدءاً من الصفحة ٢٢٩ وقائع ما جرى لمي زيادة وإدخالها مشفى الأمراض العقلية في لبنان من قبل أقربائها بعد أن استدعوها من مصر بحجج مختلفة … تفتتح الكزبري فصل المأساة في الكتاب المذكور باقتطاف مما كتبته مي عن هذه التجربة المرة التي أودت بها في النهاية إلى ما أراده إقرباؤها… تقول مي: وجاؤوني في مصر وأنا بعد في حزني يقولون … سافري يا مي إلى لبنان .. في لبنان أهلك .. حرام تبقي هنا وحدك وحملت نفسي إلى لبنان .. على أن أجد فيه سنداً لرأسي المتعب وقلبي الممزق وعزاء لأحزاني .. وفي لبنان لقيت غصصاً مرة … وفي لبنان حملت إلى العصفورية على أنني مجنونة .. وبكلوني بالجاكيت وفي العصفورية ذقت الموت مرات … وبقيت أحد عشر شهراً إلى أن نقلت .. ولا أدري كيف إلى هنا.
طالت مأساتها بسبب أقربائها وطمعهم بما لديها تحول الأمر إلى قضية رأي عام تدخل فيها الكثيرون ودافعوا عن مي من فارس الخوري إلى أمين الريحاني … وغيرهم كثيرون ومن ثم وصلت إلى القضاء والتفاصيل تكاد تكون ما جرى مع كلوديل … وقد استلهم واسيني الأعرج مأساتها في رواية صدرت منذ عدة أعوام عن دار الحوار باللاذقية.
أما ما يمكن تلخيصه عن مأساة مي زيادة فهو ما قاله المحامي اللبناني راجي الراعي وتنقله سلمى الحفار الكزبري يقول : (إن الحجر على تلك النابغة هو حجر على الأدب العربي وعلى الأمة العربية وعلى العبقرية العربية .. فلا تعدموها بسطرين من قلمكم … هي عاقلة فلا تجعلوها بحكمكم مجنونة.. إن على عنقها نيراً فاخلعوه عنها ودعوها تتنشق الهواء الطلق ..فوراءها الملايين من الخلق ينتظرونها)… مأساتها هذه كانت بسبب ابن عمها الذي رفع دعاوى قضائية ضدها في مصر ولبنان مدعياً أنها مجنونة … وكانت خيوط الألم … الغاية من ذلك كله سلبها ثروتها وهذا لن يتم إلا بالادعاء أنها مجنونة والحجر عليها.

تلك تفاصيل صغيرة من مأساة النبوغ والإبداع لم يكن العبور إلى حيث يجب العبور سهلاً على المرأة المبدعة ولم يكن بالأمر العادي أن تستعيد مكانة جدتها الخنساء فخاضت الأهوال إلى أن استعادت ذرا مجدها.

آخر الأخبار
اللجنة العليا للانتخابات: إغلاق باب الترشح وإعلان الأسماء الأولية قريباً الرئيس الشرع يستقبل الأدميرال تشارلز برادلي كوبر قائد القيادة المركزية الأمريكية دخول 31 شاحنة مساعدات إنسانية أردنية قطرية عبر مركز نصيب ترحيل القمامة والركام من شوارع طفس "التربية والتعليم": قبول شرطي للعائدين من الخارج وزيرة الشؤون الاجتماعية: مذكرة التفاهم مع الحبتور تستهدف ذوي الإعاقة وإصابات الحرب مهرجان «صنع في سوريا» في الزبداني… منصة لدعم المنتج المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية خطوات صغيرة وأثر كبير.. أطفال المزة  ينشرون ثقافة النظافة محافظ حماة يفتتح "المضافة العربية" لتعزيز التواصل مع شيوخ القبائل   " التعاون الخليجي" يجدد إدانته للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية  البرلمان الأوروبي يدين  منع "إسرائيل " المساعدات عن غزة ويدعو لفتح المعابر  تفاقم أزمة المواصلات في ريف القرداحة  منحة نفطية سعودية لسوريا… خطوة لتعزيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية  انطلاقة جديدة لاتحاد المبارزة  نتائج جيدة لطاولتنا عربياً  اتحاد الطائرة يستكمل منافسات الدوري التصنيفي الذكاء الاصطناعي يصدم ريال مدريد وبرشلونة مفاجأة ألكاراز.. تسريحة شعر خارجة عن المألوف الريال يواصل الغياب عن حفل (الكرة الذهبية) "عبد المولى" ينهي مهمته كمنسق أممي في سوريا حاملاً الأمل والتقدير للسوريين