إن وجود معارضة سياسية في أي بلد من بلدان العالم مسألة تدخل في السياق الطبيعي للعملية السياسية ومبدأ تداول السلطة، و يحترم المقدمات الأولى للديمقراطية، ولعل وجود معارضة سياسية ضرورة وحاجة تكسب العملية السياسية دينامية وزخماً، والحياة الديمقراطية ألقاً وتجدداً، ولاشك أنه من حق أي معارضة سياسية أن تصل إلى السلطة عبر الأليات الديمقراطية المعروفة من خلال البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تطرحها على الرأي العام وتحصد نتائجها عبر صناديق الاقتراع والانتخاب، حيث تمتلك حيزاً وقاعدة اجتماعية وازنة تعكس نفسها في الخريطة الحزبية المتشكلة جراء العملية الديمقراطية المشار إليها آنفاً.
فالقاعدة إذاً أن لا وجود لمعارضة بالمعنى السياسي من دون وجود سلطة شرعية قائمة، وهنا ندخل في إطار إشكالية المعارضة السورية والتي تسمى معارضة معتدلة، التي يبدو -أنها تقع في مأزق حقيقي وإشكالية موضوعية – فهي أولاً ترفض العمل بقواعد العمل السياسي والديمقراطي المعروفة كي تصل إلى أهدافها، وإذا كانت ذريعتها أن النظام السياسي كان لا يسمح بالنشاط الحزبي خارج إطار مؤسسة الجبهة الوطنية التقدمية، وهو كلام صحيح، فإن هذا السبب قد انتفى بصدور قانون الأحزاب منذ تسع سنوات، وهو ما كرسه الدستور النافذ، أما التناقض الأخر الذي تقع فيه فهو أنها في حقيقة الأمر لا تطرح شعار (إسقاط النظام )عبر آلية ديمقراطية وإنما إلغاء النظام، بل وتجريمه دون أن تعلم إن الغاء النظام يعني انتفاء أسباب وجودها أصلاً إذا افترضنا حسن النية في مضمون الطرح، دونما إشارة إلى أبعاده ومؤثراته ودوافعه الخارجية، ناهيك أن المعارضة الفاعلة هي التي تستطيع إسقاط النظام عبر صناديق الاقتراع، لا عبر الشاشات والمؤتمرات والدعوات واستخدام العنف المسلح ؟ .
وبعيداً عما تمت الإشارة إليه فقد ناقضت المعارضة السورية الرافضة لمبدأ الحوار مع السلطة الوطنية السورية كل أدبيات وقواعد العمل السياسي والوطني، ومبدأ تداول السلطة بلجوء عدة اطراف منها لمعطى القوة والاستثمار بفائض القوة الخارجي لتحقيق هدفها الواضح وهو الاستحواذ على السلطة، إضافة لاتباعها ثقافة الرفض لكل ما طرحته السلطة السورية من حلول ومبادرات للخروج من الأزمة وهنا يمكننا تصنيفها أنها معارضة من أجل المعارضة فقط على قاعدة الفن للفن .
إن ذهاب بعض أطراف المعارضة بعيداً في رهانها على العامل الخارجي أو معطى القوة العسكرية وجرعات المهل الزمنية لتحقيق أهدافها واستدعاء التدخل الخارجي وفرض العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، والذي كان ثمنه المزيد من النزيف السوري اقتصادياً ومجتمعياً إنما الخاسر الوحيد فيه هو الشعب السوري بكل فئاته وتلويناته، سواء كان معارضة أم موالاة والمستفيد منه هم فقط أعداء الشعب السوري وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني وتجار الحروب والأزمات، وعاقدو الصفقات في صراع الكبار على السيادة الاقتصادية لعالم اليوم وعصر العولمة المتوحشة والليبرالية الحديثة، من هنا يبدو لزاماً عليها إن رغبت في الحفاظ على المصالح العليا للشعب السوري وحقن دماء السوريين حقيقة لا ادعاء، الاستجابة لموجبات العمل السياسي السلمي والانخراط العملي في الحوار الوطني الذي يوصل سورية إلى بر الأمن والأمان.
إضاءات – د. خلف علي المفتاح