الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
سجلت أجندة الحرب على مدى سنواتها العشر الكثير من جرائم الإرهاب البشعة، وكان أبرزها اغتيال صوت الحقيقة، صوت المستقبل، فكانت وجهتهم الأدباء والعلماء والمثقفين، ظنا منهم أنهم لو أخمدوا ماتجود به قرائحهم ربما يحققون أهدافهم في طمس حضارة هي عصية على وحشيتهم التي طالت البشر والحجر وكل البنى الثقافية والعلمية.
ولكن أحلامهم ذهبت أدراج الرياح، رغم أنهم تمكنوا من اغتيال وقتل العديد من الأدباء والشعراء والعلماء ونذكر منهم الشاعر بشير العاني الذي أعدمته وابنه الجماعات المسلحة الإرهابية كما قتلت وبدم بارد الباحث الأثري خالد الأسعد وبطريقة تنم عن حقد دفين للعلم والثقافة والأدب، فعندما تكون الطريقة بهذه البشاعة وأن يقطع رأس العالم الذي يحمل في مضمونه دلالة رمزية تكشف عن رغبتهم في محو التاريخ والثقافة عن هذه الحضارة، ما يؤكد تبعيتهم لأسلاف غرقوا في جاهليتهم ودمويتهم وأيديهم الملطخة بالجريمة لاتزال تشهد أعمالهم.
وليس جديدا ممارستهم لمهنة القتل والإجرام، فدم المخرج الكبير مصطفى العقاد صاحب فيلمي” الرسالة وأسد الصحراء” لم يجف بعد.
لاشك يسعون من خلال جرائمهم إلى استهداف صناع المستقبل وقتل حراسه، ويدركون أن اغتيال الأدمغة والكفاءات العلمية واستهداف الصروح الثقافية هو الطريق لطمس معالم الحضارة وتشويه التاريخ وفصل الأجيال عن جذورهم الضاربة في التاريخ.
وهنا ندرك سلسلة الجرائم التي قامت بها الجماعات المسلحة من اغتيال كل من د. حسن عيد رئيس قسم جراحة الصدر في المشفى الوطني في حمص وقتل المهندس أوس عبد الكريم خليل الخبير في الهندسة النووية في جامعة البعث، وعميد كلية الهندسة محمد علي عقيل والقائمة تطول في استهداف المكتبات وسرقة المخطوطات وضرب المواقع الأثرية وتدميرها بوحشية فكثير من مكتبات حلب الغنية بالأرشيف الموسيقي طالتها يد الغدر كما المخطوطات والكتب النادرة سواء في المكتبات العامة أو مكتبات الكثير من الأدباء الذين يملكون مكتبات ضخمة اندثرت تحت ركام الدمار والخراب وفي كثير من الأحيان هي وأصحابها.
ولكن وبالرغم من محاولاتهم تفريغ المجتمع من مثقفيه، من كتاب وشعراء لتركه خاويا تتقاذفه ريح التشتت والضياع، استطاع الأدباء وبإصرارهم على الحياة أن يقفوا في وجه الطغاة المرتزقة لتكون كل بقعة من الأرض السورية هي منبر ثقافي، فلم تتوقف الأنشطة والفعاليات يوما، ولم يغلق صرح ثقافي، بل تحولت المطاعم والمقاهي إلى منتديات تزرع الفرح وتفوقت الكلمة على وحشية رصاصهم، واستمرت دور النشر بتقديم إصداراتها حتى المعارض كانت شاهدة على التحدي، لأننا أصحاب الكلمة ونحن من ابتكرنا الأبجدية الأولى، ونحن من يصونها ويحمي فرسانها من يد الغدر والإجرام.
ربما ما جرى في سورية من دمار وقتل ووحشية، لم يشهد له التاريخ مثيلا، لكن وفي الآن نفسه لم يشهد التاريخ مثيلا لصمود شعب، كما صمد الشعب السوري، وجيشه المقاوم.
واليوم إذ تلملم البلاد جراحها وتنهض من جديد، لتعيد بناء ماتهدم وتتابع مسيرة العلم والثقافة والأدب وترصد الجوائز والمهرجانات لها، فشعب جذوره تنبت في حضارة عريقة لابد أن تثمر حصادا وافرا من العلم والمعرفة والثقافة ولو كره المجرمون.