ثمة تسريبات عبر الصحافة الأميركية عن إفشال محاولة انقلابية في المملكة الأردنية الهاشمية، مقابل تصريحات داخل الأردن تنفي أن يكون الأمير حمزة بن الحسين الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني مسجوناً أو معتقلاً أو قيد الإقامة الجبرية، فيما تم التصريح عن اعتقال شخصيات سياسية سبق لها وتولّت مواقع رسمية عالية في مؤسسات الدولة الأردنية بينها رئيس الديوان الملكي السابق إضافة لمسؤولين وشخصيات سياسية واجتماعية وعسكرية من قبائل الأردن المعروفة .
وبغض النظر عن حقيقة الأمر سواء كان ذلك حصل وفق رؤية الصحافة الأميركية أو كان هناك خبايا غيرها فإن الأمر يستدعي الوقوف مطولاً عند هكذا حدث في ظل حالة شبه استقرار لحكم الأسرة الهاشمية على امتداد عقود من حكمها بدءاً من إنشاء إمارة شرقي الأردن إثر الثورة العربية الكبرى وانتهاء الحرب العالمية الأولى على يد الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك لتبدأ مرحلة من الدور المتنامي لهذه الإمارة ثم المملكة وصولاً إلى الوقت الحالي.
على امتداد سنوات الصراع العربي -الصهيوني كان الأردن حاضراً بشكل مباشر حيناً وبشكل غير مباشر أحياناً كثيرة، وكان الأردن هو المشرف للأماكن المقدسة في القدس والمشرف الإداري على الضفة الغربية في فلسطين إثر نكبة ١٩٤٨، وذلك نتيجة التداخل العائلي والاجتماعي ما بين أبناء المجتمع الواحد حول ضفتي نهر الأردن.
ولم يقتصر دور الأردن على التأثير في مسار القضية الفلسطينية، بل تعداها للمشاركة في قضاياالعرب الكبرى وكانت مواقفه إشكالية في مراحل مصيرية، كما حصل لدى تشكيل ما عرف بمجلس التعاون العربي أو موقفه من عملية غزو صدام للكويت أو موقفه من الغزو الأميركي للعراق .
واستمر ذلك الدور مع العدوان الإرهابي على سورية منذ آذار ٢٠١١ لكنه كان متذبذباً ومتأرجحاً بين فترة وأخرى، على الرغم من إقامة غرفة عمليات (الموك) في عمان للإشراف على دعم وتوجيه وإمداد الإرهابيين، كما سمح بتدريب مجموعات مسلحة كثيرة في مخيم المفرق وغيره بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وانصياعاً لطلبات إقليمية تمثلت بالضغط الاقتصادي دوماً باعتبار الأردن كان ولا زال يعاني من نقص في الموارد الطبيعية والاقتصادية دوماً، الأمر الذي كان يفرض عليه الدخول بتحالفات تضمن له التمويل والدعم اللازمين لاستقرار الوضع الاقتصادي والمعاشي فيه.
وما أنباء اليوم ببعيدة عن هذا المسار المعروف والدور التاريخي والسلوك البراغماتي الذي يتبعه العاهل الأردني دوماً لتبرير الحصول على امتداد ودعم التنمية الاقتصادية المنشودة. فالأردن وقف في صف الحكومات التي ناصبت سورية العدوان، لكنه كان يبدي تعاوناً في حالات محدودة جداً ضمن عملية القدرة على التحرك في المساحة المسموحة، وبالتالي فإن هدف إحداث تغييرات في رأس الهرم الأردني تفتح الطريق لاحتمالات ممكنة تتعلق بالموقف الأميركي من أداء الملك، ففيما كانت إدارة ترامب غير منزعجة من الدور الأردني، فإن إدارة بايدن ليست على ذلك الحال، ويبدو أنها تريد للأردن دوراً لا يمكن تنفيذه بوجود عبدالله بن الحسين ملكاً للأردن، فربما كان البديل الأمير حمزة الذي كان ولياً للعهد لخمس سنوات بعد رحيل الملك الحسين بن طلال في شباط ١٩٩٩. والمعروف أن الملكة نور الحسين الأميركية الديمقراطية دعمت حملة هيلاري كلينتون بمواجهة دونالد ترامب عام ٢٠١٦ وبالتالي فإن جو بايدن يمثل الوريث الأميركي لهذه العلاقة، ويبدو أن المساعي الأميركية لمحاولة التمركز في قواعد لها داخل سورية تتطلب إقامة قواعد داخل الأردن بصورة كبيرة وذلك يتطلب نقلها من كل من السعودية وقطر والإمارات وغيرها إلى الأردن فتكون احتياطياً داعماً لقاعدة التنف غير الشرعية بصورة أساسية، فالأميركيون يتخوفون من عدم قدرتهم على البقاء في التنف وغيرها ما يدفعهم لاتخاذ مواقف استباقية لتجنب حصول الأمر المحتوم، وهنا فإن جو بايدن يعتقد أن حلفاءه الأقرب مؤهلون وقادرون على القيام بهذا الأمر ، فيما يبقى السؤال الأصعب، إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تريد إجراء تغيير انقلابي في الأسرة الهاشمية، فلماذا يتم الإعلان عن إفشال محاولة انقلابية من جانب واشنطن؟.
المتوقع أن البيت الأبيض ليس من أفشل المحاولة، فهو المؤيد والداعم والمستفيد منها، لكن القيادات العسكرية والبنتاغون لهم رأي آخر وموقف مختلف ممن سار معهم خطوات كثيرة خدمت مشروعاتهم ولم تتضارب معها، وهذا حال الإدارة الأميركية في كثير من المواقف الخارجية التي تتباين فيها السياسات ما بين البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون ومجلس الأمن القومي ومجلسي النواب والشيوخ.
ويبقى الحدث المتوتر على الحدود الجنوبية أنّه موضع قلق ومؤشر تخوف من احتمالات مفتوحة لإحداث تغييرات لم تعد تجد رادعاً لها بعدما تطاولت واشنطن على حقوق الدول وتابعت تدخلها بشأن الكثير من الدول داخلياً وفرض سياسات وسلوك يخدم الهدف الأميركي وحده وبالتالي يخدم الهدف الصهيوني، وهنا مكمن وسبب التخوف والقلق من هكذا احداث، فأي تدخلات خارجية لا يمكن أن تحمل الخير للمنطقة، فيما تبقى اعتقالات أبناء العشائر الكبيرة صاعقاً قابلاً للانفجار في أي لحظة.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد