من المؤسف جداً والمستغرب الذي لا يفهمه أحد، هو ترك أولئك الشباب العاملين في المصارف الحكومية، والذين كُفّت يدهم عن العمل بضربة حكومية قاضية إثر البدء بتسوية أوضاع القروض المتعثرة، تركهم هكذا تائهين لا يعرفون إلى أين يتجهون، ولا إلى أين هم سائرون، ولا إن كانوا مُدانين أم أبرياء، فهم على ثقة تامة ببراءة أنفسهم، وكل الدلائل منذ أن كُفّت يدهم عن العمل وإلى الآن تؤكد بأنهم أبرياء، ولا صلة لهم ولا أي علاقة لأعمالهم بتعثّر القروض، ولو أن لهم أدنى علاقة لكانت التحقيقات الجارية منذ أربع سنوات وحتى الآن قد تمكّنت من تحديدها وإظهارها للعلن.
وفي الحقيقة فإن القناعة ببراءة أولئك الموظفين باتت من أشباه البديهيات، وهذا ما حدا بالسيد رئيس الحكومة إلى اتخاذ قرار في شهر أيلول الماضي قضى برفع تدبير كف اليد عن أولئك شرط الإبقاء على الإجراءات الأخرى المتمثلة بمنع السفر والحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لهم، وإعفائهم من المهام الموكلة إليهم سابقاً وعدم تكليفهم بأي أعمال أو مهام قيادية لحين انتهاء التحقيقات المتعلقة بالقروض المتعثرة.
لا بأس .. كان هذا جيداً .. ولكن الشيء الغريب هنا والذي يصعب فهمه أنه على الرغم من مضي أكثر من ثمانية أشهر على قرار رئيس الحكومة برفع تدبير كف اليد، فإنّ هذا التدبير ما يزال قائماً ومعمولاً به، فهل يمكن لأحدٍ أن يُسعفنا بتفسير ما بات عصيّاً عن الفهم وهو كيف يمكن لقرار رئيس حكومة أن يغدو بلا وزنٍ ولا أثر ..؟! ولمصلحة من يتعطّل هذا القرار على الرغم من أن قرار الحكومة السابقة الذي أثار عاصفة القروض المتعثرة في عام 2017 حدد زمناً للتحقيقات بأن لا تتجاوز الثلاثة أشهر، لا بل شهرين، ثم مُدّدت الفترة لشهرٍ إضافي ونهائي، وإذ بالثلاثة أشهر تنقلب إلى أربع سنوات .. والحبل ما يزال يبدو على الجرّار..!.
فما هذه التحقيقات التي صارت بحدّ ذاتها حالة مرضيّة مزمنة تحتاج إلى من يدفعها باتجاه العلاج والإصلاح ..؟! فكل التحقيقات على بعضها تنحصر بأضابير لقروض متعثرة تصل قيمتها إلى نحو 300 مليار ليرة، وهي لا تحتاج (الأضابير) إلى بحث وتنقيب فهي موجودة بكل معطياتها وشروطها ووثائقها وصياغاتها القانونية، وتشير العديد من النتائج أن نسبة كبيرة من هذه الأموال قد تمّ تحصيلها فعلياً، بسبب الضغط على بعض المقترضين فقاموا بالتسديد، غير أن بعض القروض الأخرى يصعب تسديدها لأسباب مختلفة أغلبها يرتبط بمفرزات الحرب المجنونة على سورية، إذ هناك ضمانات عقارية – مثلاً – خرجت عن السيطرة، وهذا أمر لا علاقة للموظفين به، لأن هذه الضمانات التي هي على شكل بيوت أو أراضي أو محلات تجارية وما شابه بقيت موجودة، وإن كان أصحاب بعض القروض قد غادروا البلاد فلا يمكن لهذه الضمانات أن تُغادر أو تتزحزح، فهي موجودة حكماً وقابلة للبيع أو أنها ستغدو قابلة للبيع يوماً وفق الإجراءات القانونية المعمولة بالمصارف.
على كل حال هي ليست فقط حالة غير لائقة، وإنما هي حالة من الظلم الشديد يتجرّعها أولئك العاملون المظلومون باستمرار كف يدهم الذي يعني حرمانهم من رواتبهم في ظل هذه الظروف المعيشية السوداء الضاغطة بقساوةٍ لا ترحم.
على الملأ- علي محمود جديد