أضاف قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021 مسؤوليات حسّاسة وكبرى إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وهي الوزارة الأولى بشؤون الاستثمار فعلاً، من حيث أن مختلف الأنشطة الاستثمارية تصبّ بالنهاية في حوض الاقتصاد الوطني مهما يكن شكل النشاط وأهدافه.
فالقانون الجديد ألغى هيئة الاستثمار السورية التي كانت تتبع إلى رئاسة مجلس الوزراء مباشرة، وأحدث هيئة جديدة بمهام وصلاحيات أوسع وأكثر وضوحاً، وأتبعها إلى وزارة الاقتصاد ليكون الوزير رئيساً لمجلس إدارتها، أمّا مديرها العام الذي صار يُعيّن بمرسوم يكون نائباً لرئيس مجلس الإدارة، وكلاهما (الوزير والمدير) عضو في المجلس الأعلى للاستثمار الذي عاد للظهور بعد غياب أربعة عشر عاماً إذ ألغاه المرسوم 8 لعام 2007 ولكنه ظهر اليوم عبر القانون الجديد بشكل مختلف ومهام وازنة تليق به أن يكون مجلساً أعلى فعلاً من خلال مهامه الشاملة، إذ لم يعد يدخل في التفاصيل الإجرائية كتشميل المشاريع، وإصدار بعض التراخيص، وإنما يعمل على إقرار الاستراتيجيات والخطط العامة المتعلقة بالاستثمار، وتعزيز التنافسية وبيئة الأعمال في الاقتصاد السوري، على نحو يتفق مع التوجهات والأهداف التنموية الوطنية.
كما يقوم بإقرار الخريطة العامة للاستثمار متضمنة المناطق التنموية والقطاعات المستهدفة بالتنمية، على نحو ينسجم مع خطط التنمية الإقليمية، وإحداث المناطق الاقتصادية الخاصة، ودراسة التشريعات والأنظمة المتعلقة بالاستثمار واتخاذ ما يلزم بشأنها، كما يقوم بالموافقة للجهات العامة على تأسيس شركات مشتركة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع استثمارية وإقرار مساهمات تلك الجهات في رؤوس أموال هذه الشركات، وما إلى ذلك من المهام الاستراتيجية العريضة، وطبعاً يترأسه رئيس مجلس الوزراء.
وصارت الأنشطة الاستثمارية الكبرى كلها تحت إشراف وزارة الاقتصاد بما في ذلك المشاريع السياحية، فقد حرص القانون الجديد على توحيد مرجعية الاستثمار، وظهر هذا جليّاً من خلال إلغاء المجلس الأعلى للسياحة، لتتوزع مهامه بين المجلس الأعلى للاستثمار ووزارة الاقتصاد وهيئة الاستثمار السورية، وهذا يعني أن وزارة السياحة قد أُقيلت من هموم المشاريع السياحية وتنفيذها وعرقلة التنفيذ والأخذ والرد بشأن المخططات والتصديق عليها.. وما إلى ذلك، لتكون أكثر تفرّغاً لتنشيط السياحة والترويج لها، وهذا يفتح آفاقاً أكثر وضوحاً وسهولة، وأكثر فاعلية أمام وزارة السياحة بعد إزاحة هذا الهمّ عنها، لتتولاه وزارة الاقتصاد، وتكون هي مرجعية المستثمرين بمختلف مشاربهم الصناعية والزراعية والسياحية.
وفي الواقع فإن وزارة الاقتصاد لن تكون – على الأرجح – إلاّ بارعة في ذلك، لاسيما وأن لها تجارب عميقة مع المستثمرين من خلال المؤسسة العامة للمناطق الحرة، التي تغصّ بالمستثمرين أساساً، وهي تعتبر من أكثر المؤسسات الحكومية السورية نجاحاً، أي أن لدى وزارة الاقتصاد تجارب ناجحة في التعاطي مع المستثمرين ورعاية شؤونهم، كما أنها باتت بالقانون الجديد تُشكّل ملاذاً لهم بعد أن كانوا مشتتين بين الهيئة والصناعة والزراعة والسياحة والمحافظات والبلديات، ورئاسة مجلس الوزراء، يواجهون متاهات متعبة، نعتقد أن وزارة الاقتصاد ستمتلك بعد اليوم المفاتيح التي ستكون قادرة من خلالها على إغلاق تلك المتاهات.
على الملأ- علي محمود جديد