علمتنا وقائع الحياة أن التاريخ ليس إلا ما يدون، وليس كل ما يدون هو الحقيقة، في الكثير من الأحيان يكون قصب السبق في تقرير ونشر الوقائع لمن التقط اللحظة، ودوّن الوقائع وعمل على نشرها، سواء كانت صحيحة، أم لا، وإذا ما كان الطرف الآخر في غفلة من أمره، فلن ينفعه أن يصل ولو بعد ساعات، إذ غالباً ما تكون الرسالة التدوينية، أو الخبر الأول له الوقع عند المتلقي، وهنا تبدأ رحلة الطرف المقابل في البحث عن معادلة يعمل من خلالها، على تصحيح ما نشر،ـ أو فبركة جديدة .
نحن في الحرب على سورية ابتلينا بما يسمى بـ (شهود عيان) ظل هؤلاء يهرفون بما ليس له على أرض الواقع حقيقة أي وجود، لكنهم زيفوا وكان لهم قصب السبق في ذلك، أذكر مرة أنني من نافذة العمل كنت أنظر إلى ساحة دوار كفرسوسة وهي أمام مبنى مؤسستنا، ثمة اتصال من هيئة الاذاعة البريطانية على الرقم الموجود بمكتبي، طبعاً كان لمدير التحرير السابق الذي ترقى وصار رئيس تحرير، ولم يأخذه إلى مكتبه، يسأل المتصل: ما الذي يجري في الساحة؟.
ببساطة: لاشيء أبداً، ألح بالسؤال، فعلاً لم يكن أي مظهر لشغب أو حتى وجود عابرين، قلت له: إذا أحببت سأفتح خطاً مباشراً معك بالصورة والصوت، جهز لذلك لترى أن لاشيء هنا ..أغلق الهاتف، وبعد فترة وجيزة: ظهر الخبر عندهم: مظاهرات ووو في دوار كفرسوسة ..
كان الخبث يتساقط من كل كلمة أو مدونة تصدر منهم، نشروا وكتبوا، وضخوا إعلامياً الكثير الكثير، وعلى المقلب الآخر: كان إعلامنا موجود بقوة الإرادة يعمل، يفند، يحلل، يقدم، واستطاع أن يسقط أدوار هذه الامبراطوريات المترفة بالمال والتقنيات.
عمل على إسقاطها الإعلام السوري، المقروء والمكتوب والمرئي، واستطاع أن يتجاوز كل العقوبات القاسية والظالمة التي فرضت عليه، ولاتزال، بهذا المعنى ستجد الحقيقة في مدونات الحبر السوري، ولاسيما الصحف الورقية التي شكلت خزاناً هائلاً يمكن العودة إليه متى أراد الدارس والباحث فعل ذلك، ولن ننكر دور وسائل الإعلام الأخرى (مرئي، ومسموع) لكن الحقيقة تقول: إنها ليست وثائق و لسبب بسيط لايمكنك أن تعود إلى أرشيفها، ليس متاحاً لمن يرغب وكل من يريد.
على عكس الصحافة الورقية التي تعود إليها، في بيتك، أو مكتبة ما، أو أرشيفها، لكن للأسف كان ما كان، ثمة قطيعة مع الوثيقة خلال عام ونيف، عام حافل بكل ما يمكن أن تقوله، كان لابد أن يكون الحبر موجوداً و شاهداً على الحياة اليومية، بمفرداتها السياسية والثقافية، والاجتماعية.
ومن مدونات الحرب غير المباشرة، الإبداع القصصي والروائي والشعري، والدرامي، والموسيقي، لكنها مدونات كما قلنا تسعى وراء الجماليات التي غالباً ما تذهب أبعد من الواقع ليغدو المشهد مقروءاً، أو مشاهداً، في هذا اللون من المدونات، تم إنجاز الكثير ولاسيما ما أنجزته وزارة الإعلام، من مسلسلات وأفلام توثيقية (لآخر العمر، أنت جريح، لأنها بلادي…).
ولن ننسى أن اتحاد الكتاب العرب كان قد شكّل لجنة لتوثيق بطولات الجيش العربي السوري من خلال الرصد الإبداعي، وهنا يشار إلى دور المكتب التنفيذي للاتحاد، وعلى رأسه الدكتور محمد الحوراني، بدورها عملت الهيئة العامة السورية للكتاب على (مدونة الحرب) التي صدرت منها مجموعة روايات مهمة جدا، تضاف إلى قائمة ما صدر من كتب ودراسات، المشهد يحتاج إلى المزيد من الرصد ولاسيما من زوايا لم نعمل عليها من قبل، مثل: اللغة والحرب وغيرها، نأمل ان تبادر جهة ما إلى تبني مثل هذا المشروع و حتى تتكامل المدونات التي تعني اللحظة الحقيقية، ولتبقى وثيقة لتاريخنا، لأبنائنا.
معاً على الطريق – ديب علي حسن