الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق:
مؤخّراً، احتفى المركز الثقافيّ بحمص، بإصدارٍ للشاعرة «عذاب رستم»، وهو «الغفران».. المجموعة النثريّة التي أقيم لها حفلِ توقيعٍ في قاعةِ الدكتور «سامي الدروبي»، وبحضور جمهورٍ من المهتمّين ومتابعيّ الأنشطة الثقافية، وقد قدّم القاص «عيسى إسماعيل» والناقد «محمد الرستم»، مداخلتين نقديّتين حول المجموعة، كان أهم ما جاء فيهما .
قصيدةٌ واحدة تعومُ في ذاتِ البحر
الناقد «محمد الرستم» قال: «الديوان بالكامل، يكاد يشكّل قصيدة واحدة، تعومُ في ذاتِ البحر «صرخات ألمٍ لفراقِ الشريك»، عدا قصائدَ قليلة تناولت الوطن، الإنسان، الأم.. كما يندرج الديوان، تحت ما يسمّى السرديّة التعبيريّة، أو السرديّة الشعريّة، حيث تغادر الجملة الشعريّة الكثافة الشديدة، إلى حالةِ السردِ الشّعريّ الجميل والملوّن بالصورِ الساحرة، وتنأى عن الانزياحاتِ الملغّزة والمرمّزة، التي تُخرج المفردة من معناها المعجميّ، وهو ما تغصُّ به القصائد النثريّة .
قال أيضاً، بأن الجملة الشعريّة عند الشاعرة، تمتاز برهافةِ الحسِّ، فالمشاعر فيها صارخة، منحت الجملة الشعريّة وهجاً من المشاعر المؤثّرة، وقد اعتمدت الشاعرة اللغة السهلة والواضحة، وتناولت العلاقة مع الشريك الغائب وجوداً، والحاضر طيفاً وخيالاً، وبات اللقاءُ في ضبابياتِ الحلم، وعلى قارعة الذكريات، فهي لا تزال على قيد الحبِّ والإخلاص لآدمِها، وكلّما قلّبت كتاب أنوثتها طالعها وجهه، فغيابه بات يشكّل حضوراً طاغياً، أقوى من الحضور..
يتابع: كان الديوان سفير الوجع، وبدت الشاعرة مجرّة من الآلامِ، تكرزُ حروفها الآه على معمودية الألم. إنه اشتداد صهيل الوجع في المسام الظامئة للحياة، ولذا كانت الحروف تنوسُ بين بنفسج الحزن وياسمين التوق، والقصائد بمجملها تنهيدة الروح لحظة التوهّج الإبداعيّ.. إنها مناجاة هامسة بأنينٍ مرّ، متوّج بأرقى المشاعر، ولعلّه يبدو نواحاً راقياً لحواء حين تفقد آدمها. حواء المنذورة لمتاعب الحياة، الحياة ذاتها التي صرخت بأن كفاً واحدة لا تصفق، وكأنه رثاء جميل مغمّس بآهاتِ حواء حين تفقد جدارها الاستناديّ، حيث يطالعنا اللون الأسود الحزين في مختلف الكلمات، فالحروف متقرّحة من هول الفجيعة، والقصائد لها نغمة مقامِ الصبا المغمسة بالحزن، وقد تماهى الديوان تماهياً كاملاً، فجاء الصدق الفنيّ، وبراعة الشاعرة في غرس نبتةِ اللهفة لدى المتلقي، وجذبه إلى رصيف الحدثِ، ليعيش جوّ القصيدة..
عباراتٌ أنيقة.. وكلماتٌ مختارة..
أما رأي القاص «عيسى إسماعيل» فكان: مجموعة «الغفران» من النوع الذي نعيد قراءته ولا نملّ منه. عباراتٌ أنيقة، كلماتٌ مختارة، ومعانٍ مدهشة، قدّمتها الشاعرة عبر بضعة وثلاثين نصّاً شعريّاً، تبحث فيها عن وحدة مع الآخر الذي تفتقده، وتأمل عودته المستحيلة.. وحدةٌ بين – الشمس والقمر- أي بين الذكر والأنثى، لتزداد الحياة خصوبة وخيراً.. وحدة بين الأهل والأرض-والوحدة التي تجمع هذه الثنائيات، تكمل بعضها البعض، فتجعل الحياة أرقى، ويصير الإبداع شعراً ونثراً، وذاكرة تشتعل بهما.
لقد وجد «إسماعيل»، أن الشاعرة تبرع في تصوير الحالة الراهنة للأنثى الرقيقة الحالمة بعودة الحبيب، وسيادة الحبّ والغفران، حيث الحياة جديرة بأن تعاش، وحيث الورد آمناً في حضن الوطن الذي يتماهى مع حضن الحبيب، والقمر والعطر حاضرانِ في قصائدِ الشاعرة، وشاهد أزليّ على عذابات الفراق ونار الشوق والحنين، والعطر رمزٌ للحبيبِ والحبّ، وعندما تخاطب القمر إنّما تخاطب الحبيب الذي غادر بطلاً شهيداً، وهو يرسل القمر ليمسح دمعها بدلاً عنه، وليسهر معها بدلاً عنه.
قال «إسماعيل» هذا، ليكون ما ختمَ به: إن قصيدة النثر تزهو على يدِ الشاعرة «عذاب رستم»، ففيها تكثيفٌ لغويّ، وصورة مبتكرة، وكلماتٌ نابضة.
وللشاعرة رأيٌ هو، أن نصوصها عكست مشاعر الألم والحزن والفراق، وسوى ذلك مما عانت منه عقب استشهاد زوجها، وبأنها استقت مواضيعها من الواقع الذي عاشه السوريون خلال الحرب، فجاءت كتاباتها لتترجم حصيلة انفعالاتٍ متناقضة، من حزنٍ وفرحٍ وغضبٍ ولحظات ضعف.
بدأت نصوصها، بقصيدةِ الوطن لأنه الحبيب الأول والأخير لكلِّ السوريين، وجاء اسم مجموعتها الثانية «الغفران» للدلالة على الشوق والوجدان والمحبة والمشاعر الداخلية، وتقلّبات الروح وعذاباتها وأفراحها، والعلاقات الإنسانيّة التي غلبت على معظم قصائدها..
يقع الديوان في ١١٥ صفحة، ويضمُّ ٣٥ قصيدة نثريّة، غلب عليها الطابع الوجدانيّ والإنسانيّ.
التاريخ: الثلاثاء29-6-2021
رقم العدد :1052