«إيسوب»هو المعلِّم التاريخيّ الأوّل للقصّةِ القصيرة جداً

 

الملحق الثقافي:د. أيمن أبو الشعر *

توضيح:
ما أقدمه هنا ليس دراسةٍ أكاديميّة، لكنه مقتطفات أعدتُ صياغتها واختصرتها واقتبستها وولّفتها، من دراسةٍ أكاديميّة موسّعة سأحاول إنجازها في الأشهر القادمة، والدافع هو حوارٌ حول القصة القصيرة جداً، تشعّب قليلاً في شبكة التواصل الاجتماعيّ، مع بعض الأصدقاء من الأدباء والمثقّفين والذواقة، أظهر وجود تباينٍ حقيقيّ، ليس في تقييم القصة القصيرة جداً من منظورٍ فنيّ، رفضاً أو قبولاً وحسب، بل أظهر أنه من الضروري على أقل تقدير، تبيان المنشأ الحقيقيّ لفنِّ القصة القصيرة جداً، التي يرى البعض أنها أسلوبٌ مستحدث، بل قد يكون دخيلاً على ثقافتنا… وقبل أن ألج في عرض ما أودّ تناوله، أؤكّد هنا أنني مع الحدِّ الأقصى للديمقراطيّة في مسألة الذائقة الجمالية، بمعنى أن لك الحق في أن تقبل وتقيّم عالياً، وحتى أن تمجّد هذا العمل أو ذاك، ولمن له موقفٌ مغاير، الحق في أن يرفض ويقيم سلباً، أو حتى يضع هذا النتاج خارج حدود الفن، لكن لا بأس من أن نلقي بعض الضوء على أعظم كتاب القصة القصيرة – والقصيرة جداً- عبر التاريخ، ممن لهم مكانتهم الهائلة عند معظم شعوب الأرض ومثقفيها ونقّادها وكتّابها…

13.jpg
توطئةٌ لابدّ منها:
أولاً، لنتّفق على عدم إمكانيّة حصر العمليّة الإبداعيّة، بقوالبٍ وقوانين وكأنها عمليّة فيزيائيّة أو كيميائيّة، وطالما أنها نتاج هذا الكائن الصغير جداً، بكينونته الفيزيولوجية، الكبير جداً بخياله وابتكاراته وتطويره للواقع “الإنسان”، فهي إذاً عملية لا تخضع للقوانين والأحكام، حتى في المجالات الإبداعيّة التي تظهر في مراحل تاريخيّة محددة “وإن ظلت مرشداً”، بل إلى كينونة التطوّر ذاتها، وحتى لا نغوص في الأمثلة والتشابيه، يكفي أن نذكر أن الشعر الحديث الذي حورب في البداية حدّ اعتباره مؤامرة على الأمة العربية، وقيل إنه مسخ سيزول بعد حين، كرّس نفسه شامخاً إلى جانب الشعر الكلاسيكي، ومعظم قصائد النضال ضد الاستعمار والقهر، فمنذ أواسط القرن العشرين كتبت بالشعر الحديث، وأنا أعني الشعر الحقيقيّ، وليس كلّ محاولةٍ للهروبِ من البحور والتفعيلات… إنني أؤكد على تعايش الأساليب والأجناس.
المهمّ، أن يُقنع الكاتب الفنان الآخرين بالعملية الإبداعية، وليكن له أن يختار بنفسه قوانينها، وأحب أن أنوّه بأن الذين يرفضون هذه التجارب، لا ينطقون عن الهوى، وليس تحاملاً منهم، بل نتيجة ظهور كمٍّ هائلٍ من النتاجات الهشّة السخيفة المبتورة من القصة القصيرة جداً، تماماً كما هو الحال في الشعر الحديث.. لكن هناك تجارب خلاّقة أيضاً، هنا وهناك.
القصة القصيرة جداً معروفة منذ ما قبل الميلاد
أعتقد أن معظم الذين شاركوا، أو سيشاركون من المبدعين والمثقفين في هذا النقاش، يعرفون تماماً أن هناك أسماء عملاقة عبر التاريخ في مجال القصة القصيرة جداً، ومعظمها يتَّخذ من الحيوانات قناعاً لكي يتحدّث عن ظاهرةٍ اجتماعيةٍ أو سياسية، وهي وإن اعتمدت البساطة، تحمل في طياتها طابعاً تربويّاً بأسلوبٍ رمزي، وتضمر دروساً اجتماعيّة وسياسيّة، وحكمة إنسانيّة شاملة، تنطبق على مسارِ حياةِ جميع الشعوب، بنسبٍ متفاوتة نتيجة تفاوت العادات والتقاليد، وأنماط التفكير من زمنٍ إلى آخر، ومن مكانٍ إلى غيره، ومعظم هذه القصص تدخل في إطار جنسٍ أدبيٍّ صُنِّف على أنه فن “الحكاية الخرافية” (1)، وقد ظهر هذا الفن لأول مرة حسب بعض المعطيات، في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، عند الفراعنة كحكاية “الأسد والفأر” المعروفة عالمياً، وفي كلّ الأزمنة، وقد عثر عليها مدوّنة على ورق البردي، ومن ثم ظهرت القصة القصيرة والقصيرة جداً، في إطار الحكايات الخرافية بقوّة وتنوّع وحيويّة، في القرن السادس قبل الميلاد، على لسان المبدع المذهل إيسوب (2)، الذي يلقَّب بالحكيم اليوناني – الذي سنعود إليه- لأنه جوهر مقالتنا هذه… ثم ظهرت في قصصِ كليلة ودمنة التي تحمل مزيج ثقافاتٍ ثلاث، الهندية والفارسية والعربية…


لن أتوسّع في هذا المجال – حيث كان لكليلة ودمنة، طابع سياسي واضح “أتحدث بصيغة الجمع متقمِّصاً من يوافقني الرأي”، بعد ذلك يظهر عملاق جديد في فنّ القصة القصيرة، وهو الكاتب الفرنسي لافونتين (4) في القرن السابع عشر، ولم يقتصر على القصة القصيرة فحسب، بل وكتب في مجال القصيدة القصيرة جداً، والتي تتألف من ثمانية أبيات فقط.. أخيراً يظهر عملاقٌ نابغٌ روسيّ في مجال القصة القصيرة، والقصيرة جداً، وهو كريلوف (5) في القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، الكاتب الذي ترك بصمة كبيرة في مجال القصة القصيرة والقصيرة جداً، حتى أن شاعر روسيا الأكبر بوشكين الذي عاصره، تطرّق إلى تجربته الحياتية في مؤلفيه “تاريخ بوغاتشوف” وكذلك في “ابنة الآمر” (6).
في النوع:
حتى لا ندخل في مماحكاتٍ عقيمة، أو حواراتٍ جانبية، أوضّح أنني أُدخِل في مصطلح القصة القصيرة جداً:
1- من حيث الحجم، تلك القصص التي لا تقتصر على عبارةٍ واحدة أو اثنتين، وإلا لتحوّلت إلى صياغةِ المثل والحكمة وحسب، دون طابعٍ سرديّ، لذا هي تلك القصص التي تمتد (دون التزامٍ بالسنتميتر) من بضعةِ جملٍ في سطر ونصف السطر أو سطرين وثلاثة، إلى خمسة أو ستة أسطر.. أي بين 15-20 كلمة إلى 40-50 كلمة..
2- أن تحمل بنية فنيّة مكثّفة، تدلّ على حدثٍ أو ظلاله، ومسار أو حالة فكريّة واقعيّة أو تخيليّة، تصل إلى نتيجةٍ أو تتوقّعها، والأهم أن تنتهي بلقطةٍ مدهشة.
3- أن تحمل طابع الأمثال، ومنطق الأقوال المأثورة والحكمة، على أن تتجاوزها بالحدثِ، بحيث تقدم سرداً مكثّفاً، يقدم ثراءً فكريّاً وثقافيّاً، أو موقفاً سياسيّاً أو اجتماعيّاً مرموزاً عبر الصياغة.
4- يدخل كذلك في هذا المجال، تلك التي تتّكئ على أحداثٍ تاريخيّة، أو مقولاتٍ مشهورة جداً، فتكثّف عبر الصياغة مواقف مقاربة أو معاكسة، بهدف طرح بديلٍ أو تعميق للموقفِ ذاته.
من هنا لا يعنيني إن كانت هذه القصص تستخدم أبطالها من الحيوانات، أو مظاهر الطبيعة، أو الإنسان، ولا حتى الصياغة الشعريّة أو النثريّة، وخاصة أن معظم هذه القصص التي صيغت شعراً بهذه اللغة أو تلك، تُرجمت في معظم الأحيان إلى اللغاتٍ الأخرى نثراً.
هكذا نصل إلى اللبِّ:
إذن، رائد القصة القصيرة جداً، التي تتمتّع بالحكمةِ والتوجيه الاجتماعيّ والسياسيّ، على لسانِ الحيوان وغيره، هو دون شكٍّ ودون منازع “إيسوب”، وجميع القصاصين ورواة الحكايات الخرافيّة، خرجوا من ذاك الجبل الذي تمخّض وولد فأراً، وهي من أشهر قصص “إيسوب” وسرت لدى العديد من الشعوب مجرى الأمثال، وهو إلى جانب ذلك، شخصية مثيرة جداً للاهتمام، وحياته نفسها قصة غير عادية، ومن جاء بعده من الكبار في فنّ القصة القصيرة والقصيرة جداً، لافونتين الفرنسي، وكيرلوف الروسي، وغيرهما اتّكؤوا عليه تحديداً، ليس فقط في اقتفاءِ النمط والأسلوب، بل وحتى في الاقتباسات الجزئيّة والكاملة، فمن هو “إيسوب”، الحكيم اليوناني المبدع والعملاق جداً؟..
يؤكد أبو التاريخ “هيرودوت” (7) أن “إيسوب” شخصٌ واقعي، وكان ذكيّاً ألمعيّاً حكيماً، رغم أنه قبيح المظهر، لكنه كان فيلسوفاً وقاصاً من الطراز الأول، حتى يرى فيه البعض ظلال العبقرية من خلال الرمز الموحي في حكاياته التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة، والتي لم تقتصر على استنطاق الحيوانات، فكثيراً ما كان أبطالها من البشر أيضاً..
تعتمد القصة القصيرة جداً عند “إيسوب” -فنيّاً-، على التكثيف الموحي واللقطة المفاجئة، كالقصة الصغيرة جداً اليوم، وذلك بعد مرور أكثر من ألفين وستمئة سنة على ذاك النتاج الإبداعيّ، وهذا بحدِّ ذاته أمرٌ يستدعي دراسة نوعية أخرى، حول كنه الإبداع المستمر في فحواه عبر الزمن، ذاك أن الكثير من حكاياته لا تزال فعّالة حتى اليوم، وعلى أكثر من مستوى، واللافت للنظر أن المسرحية التي تناولت حياة وحكمة “إيسوب” عمّقت معنى رائعاً ولكنه غير واقعيّ، فالمعروف أنه نال حرّيته وحصل على شهرةٍ جعلته، رمزاً للحكمة بفضلِ حكاياته القصيرة والقصيرة جداً هذه، وكان يُستقبل في أهمّ صالونات عصره أواخر حياته، حتى إن ملك “ليديا” (8) اصطفاه وخصّص له الرعاية اللازمة، في حين طوّر الكاتب المسرحي “غيليرميه فيجويريرو”(9) في مسرحيته العنب الحامض، محتوى ونهاية حياة “إيسوب”، مركِّزاً على جانبٍ نوعيٍّ مهم في الموقف المحتمل، من حكيمٍ له هذه المنصّة التعبيرية الهائلة، فجعله في نهاية المسرحية أمام اختيارٍ قاسٍ، بين أن يموت حرّاً أو يعيش عبداً، وكان لابد له كحكيمٍ ذي نفسٍ شهمة، أن يختار حسب المسرحية، هذا الموقف التراجيدي الرائع – طبعا الموت حرّاً-، وما يعنيني هنا، اتّكاء المؤلف على هذا الأسلوب المميز في لقطاتِ القصة القصيرة جداً في بعض مشاهد المسرحية، فحين يقع سيد “اكسانتوس” نتيجة سكره الشديد، في ورطةٍ قد تدفعه إلى خسارة كلّ ممتلكاته، نتيجة مراهنته على أنه يستطيع شرب ماء البحر، يطلب من “إيسوب” المساعدة، فيقول له في البداية: “اشرب ماء البحر يا اكسانتوس”، وحين يسقط الأمر في يده ويعده بتحريره إن هو أنقذه، يكرّر “إيسوب” عبارته، ثم يوضّح له أن عليه أن يدعو الذين راهنهم إلى شاطئ البحر، ويعلن أنه مستعدٌّ لشربِ مائه، ولكن عليهم أولاً أن يقوموا بتنقيته من ماءِ الأنهار التي تصب فيه.. هذه اللقطة بحدّ ذاتها، توضح أحد أهم محاور القصة القصيرة جداً، الحدث المكثّف بعقدةٍ كأداءٍ، ومن ثمّ “اللقطة الذكية غير المتوقعة”..
ولو تمعنا قليلاً في نتاجات لافونتين الفرنسي في هذا المجال، لوجدنا أنه يوغل في خضمِّ القصة القصيرة، وحتى القصيرة جداً، وأيضاً على لسان الحيوانات، ومن الواضح أنه تأثّر بكليلة ودمنة وبـ “إيسوب”، وهناك أمرٌ لافت للنظر، وهو محاولة السلطات في عصر هؤلاء العظام، الاستفادة من عطاءاتِ وابتكاراتِ الكتّاب، وتقريبهم من البلاط، كما كان “إيسوب” اليوناني في نهاية حياته، أثيراً عند ملك ليديا، وكان بيدبا الهندي، مكرَّماً لدى الملك دبشليم، وكذلك ابن المقفع العربي، الذي قرّبه أبو جعفر المنصور من بلاطه، وهذا يؤكّد أن القصة القصيرة التي تعتمد النطق بلسانِ الحيوانات، لم تكن مخصَّصة للأطفال كما يشاع، وإن كانت تصلح لهم كأسلوبٍ تربويٍّ بسيط، ذاك أن للقصة القصيرة جداً مستويات متعددة في الكشف عن مخبوئها، فهناك الظلال السياسيّة، أو الاجتماعيّة، أو الاقتصاديّة المقصودة، أو كلّها معاً، أي إنها رسائل لتربية الملوك والأمراء أنفسهم، وهي بهذا المنحى تكون هامة جداً في تربية السلطات نفسها، وتوضّح أحياناً العائق بين الشعب والسلطة، وبهذا المعنى تكون القصة القصيرة والقصيرة جداً، سلاحاً نضالياً رمزياً، يزداد حضوره بشكلٍ خاص في المجتمعات المقهورة المقموعة، ويعترف لافونتين في مقدمة كتاب حكايات من لافونتين، الذي نقله إلى العربية المبدع “جبرا إبراهيم جبرا” (10)، بأنه استقى العديد من حكاياته من “إيسوب” نفسه، وفي دراسة مكثّفة جيدة عن حكايات لافونتين القصيرة، يذكر الكاتب الجزائري “مصطفى بو خال” أن هذه الحكايات القصيرة جداً، وبلسان الحيوانات، لاقت النفور في البداية، حتى إن موليير (11) العظيم، يكتب لراسين (12) حولها قائلاً: “لا يجوز أن نسخر من هذا الإنسان الطيب، ربما سيعيش أكثر منّا جميعاً، ونبوءة “موليير” تحقّقت إلى درجةٍ كبيرة، وانتشر “لافونتين” على أقلِّ تقدير، إلى جانبِ أكبر الأسماء الإبداعية شهرة.
الاسم الكبير الثالث في هذا المجال هو “كريلوف” الروسيّ، والذي تبدو قصة حياته نفسها مثيرة كما ذكرنا سابقاً، وقد أبدع في القصة القصيرة والقصيرة جداً، ولاقى في البداية النفور لكن اسمه سطع وتكرّس وانتشر عالمياً، وكان له الفضل في تقديم ترجماتٍ ناضجة لحكاياتِ لافونتين، ولم يلبث أن توسّع في الأمر، فبات يقدم حكاياتٍ من تأليفه، ومع ذلك نرى بوضوح أنه هو أيضاً، استقى من “إيسوب” اليوناني، واتّسعت شهرته في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وحملت نفس الأسلوب والتوجّه كما لدى “لافونتين” أو “إيسوب”، مع إضفاء الطابع الروسيّ حتى على الحكايات المقتبسة، وكثيراً ما كانت تنتهي بقولٍ حكيمٍ يكثّف جوهر الفكرة، ويستخدم حتى الآن الكثير من حكاياته القصيرة جداً، كأمثلة شعبية في روسيا، وقد اختيرت نماذج عديدة منها للتدريس في المناهج التعليمية، وهنا لابد من الإشارة، إلى جانبٍ ألمحنا إليه سابقاً، وهو الظلال السياسيّة الانتقاديّة للسلطات والقوانين الجائرة، وسيطرة القوي وهيمنة المستبد، أو الانحياز إلى الصغار التافهين وتجاهل الكبار العظماء، كما في قصة “الفضولي” لـ “كريلوف”، حيث يحكي صديق لصديقه عما رآه في مجمع الغرائب والكائنات، وإذ به يقصُّ أنه رأى عجائب غريبة، وكلّ أنواع الطيور والحشرات والجنادب والذباب والصراصير، وحين يسأله صديقه هل رأيت الفيل يقول معتذراً، أنه لم يلفت نظره…
يمكن في هذا المجال أن أقدّم بعضاً من قصص “إيسوب” القصيرة جداً، والتي لا تقتصر على الحيوانات، بل يكون البشر أبطالها أحياناً، وقد باتت الأكثر انتشاراً وشهرة في العالم كله، فهل من إنسان لا يعرف قصة “الراعي الكذاب” مثلاً، أو “الغراب والثعلب”، حيث تسقط قطعة الجبن من فمِ الغراب حين يمتدحه الثعلب ليغنيّ، وسأنشر عدداً منها هنا، مع عرض جوهرها باختصار، معتمداً على ترجمة “ليف تولستوي” لها:
“ أ “ – “الراعي الكذاب”.. توجيهيّة اجتماعيّة، عن مدى مضار الكذب:
“كان هناك صبيٌّ يحرس الأغنام، راح ينادي كما لو أنه رأى ذئباً: “ساعدوني، الذئب، الذئب!”.. ركض الرجال ورأوا أن الأمر مجرّد كذب. فعل ذلك لمرتين أو ثلاث مرات، ولكن عندما جاء الذئب راكضاً بشكلٍ حقيقي، راح الصبي يصرخ: “تعالوا إلى هنا بسرعة الذئب!” ظنَّ الرجال أنه يكذب عليهم كالعادة، ولم يعيروه أذناً مصغية. رأى الذئب أنه ليس هناك ما يخشاه ففتك بالقطيعِ كلّه.”
“ب” – الكركي والذئب”.. اجتماعيّة، سياسيّة، تعني: طالما نجوت من الظالم، فلا تستفزّه.
“علقت في حلقِ الذئب عظمة، فنادى للكركي وقال له: هيا أيها الكركي إن لديك رقبة طويلة، فأدخل رأسك وسط حلقي واسحب العظمة، وأنا سأكافئك على ذلك.
أدخل الكركي رأسه وانتزع العظمة وقال: أعطني المكافأة.
صرَّ الذئب أسنانه ُوقال:
هل كانت مكافأتي لك قليلة، بأني لم أقضم رأسك عندما كان بين أسناني”.
بقي أن أعيد نشر القصة التي غيّرتُ قليلاً في صياغتها، وأوردتها بمحتواها وحجمها في نهاية مقالتي السابقة، في مناقشةِ القصة القصيرة جداً، كي يخمّن القرّاء اسم كاتبها. هنا أقول: إنها في الواقع للمعلّم الأول في كتابة القصة القصيرة جداً. الحكيم “إيسوب”:
“رأت عجوز صدفةً، جرّة نبيذٍ على قارعةِ الطريق، فركضت إليها وهي تأمل أن تكون مملوءة خمراً لتشرب منها، لكنها وجدتها فارغة تماماً، فأخذت شمَّة عميقة من فتحة الجرّة وهتفت: ما أجمل الذكريات التي تبقى بالأدوات التي أمتعتنا! “.

هوامش
-1- الحكاية الخرافية: يطلق مصطلح الحكايات الخرافيّة على القصص القصيرة، التي تنتمي إلى عالمِ الخيال بما يخالف الطبيعة، ومعظمها يكون على لسانِ الحيوانات، وهدفها في معظم الأحيان، تربويّ بمضامينٍ سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة.
-2- إيسوب، كان عبداً عند أحد النبلاء، ويرجح أنه عاش بين 620-564 قبل الميلاد، وهو أول من ابتكر فن القصة القصيرة، والقصيرة جداً في اليونان، وكانت قصصه مملوءة بالحكمة والموعظة، وقد طاف في العديد من البلدان، وغدا مبجّلاً بسبب مواعظه وقصصه، حتى اصطفاه ملك ليديا وأكرم وفادته.
-3- كليلة ودمنة، اسمان لاثنتين من بنات آوى، وهي مجموعة قصص كتبها الحكيم الهندي “بيدبا” بتكليفٍ من الملك “دبشليم”، لتعليم أصول الحكم وطاعة الناس للملك.. نقلها في البداية من الهندية إلى الفارسية، أيام كسرة أنوشروان الطبيب “بزرويه”، ثم نقلها “ابن المقفع” إلى العربية مع بعض التصرف.
-4- لافونتين، هو الكاتب الفرنسي الشهير “جان دي لافونتين” 15321- 1695 وجُمعت قصصه هذه في كتاب حمل عنوان “أساطير لافونتين”.
-5- كريلوف، هو “إيفان أندرييفيتش كريلوف” 1769-1844 له العديد من المسرحيات التي لم تلق رواجاً. ذاع اسمه بشكلٍ واسع، منذ بداية القرن التاسع عشر، ككاتبِ حكايات خرافية.
-6- حكم على عائلة “كريلوف” بكاملها بالإعدام، نتيجة مواقف أبيه الشهمة، وعدم تسليمه القلعة التي كان مسؤولاً عنها، عندما كان ضابطاً في الجيش القيصري، ما اضطرّ العائلة إلى التخفّي لحينٍ من الوقت.
-7- هيرودوت، ويسمّى كذلك “هيرودوتس”. أهم مؤرّخ في مرحلة ما قبل الميلاد 484-ق م 425 ق م. طاف في الكثير من البلدان، وقدّم أوصافاً دقيقة عنها وعن شعوبها، ويسمى لأهميته “أبو التاريخ”.
-8- هو الملك “كرويسوس” الذي كان حيويّاً جداً، وشجّع التجارة والتعدين، وصكت في عصره العملة، بما في ذلك الذهبية والفضية، وكان ثرياً جداً، وشجّع سنّ القوانين.
-9- غيليرميه فيجويريرو: كاتب مسرحي برازيلي، مؤلف مسرحية “العنب الحامض”، حول حياة وشخصية الحكيم اليوناني “إيسوب”، مضيفاً عليها بعض تصوراته.
– 10- جبرا إبراهيم جبرا: كاتب وفنان تشكيليّ فلسطينيّ 1920- 1994. له العديد من الروايات ذات المواضيع الفلسطينية، كـ “البحث عن وليد مسعود” و”التراجم لأمهات الكتب وكبار الأدباء الغربيين”، بمن فيهم “شكسبير” و”فوكنر”.
-11- موليير: هو الكاتب الفرنسي “جون بوكلان”، وموليير هو لقبه 1622-1673. يعتبر رائد الكوميديا في فرنسا، وله عدد كبير جداً من المسرحيات، أشهرها “مدرسة الأزواج”، ومن ثم “مدرسة الزوجات” و”طرطوف” التي أثارت حنق الكنيسة عليه، وطالبت بحرقه، إلا أن الملك لويس الرابع عشر حماه.
-12- راسين: هو الشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي “جان راسين” 1639 1699، وهو أيضاً من شعراء بلاط لويس الرابع عشر، ومعظم مؤلفاته في مجال التراجيديا، وأشهرها “أفيجيني” و “فيدر”.
* شاعر ومسرحي ومترجم

التاريخ: الثلاثاء29-6-2021

رقم العدد :1052

 

آخر الأخبار
"رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق