لا أدري إن كنت أقارب الصواب إذا ما قلت: إنّ الحزن يكاد يكون الثابت الوحيد في هذه المنطقة من العالم المسماة الوطن العربي.. وربّما علينا أن نعترف أنّ منعطفات تاريخنا كلها ركام أحزان..
صحيح أنّه في الكثير من الأحيان حزن مزهر.. مبدع تفتق عن شعر عظيم.. كما في آلام نديم محمد.. ومكابدات أمل دنقل.. ومطر السياب.. ولواعج نازك الملائكة..
تاريخ من الحزن، كأنه يصح فيه قول المتنبي: تكسرت النصال على النصال..
لن نسأل عن أسباب سرمديته لأنّ السؤال يفتح جراحاً لا ضفاف لها..
ولكن أليس من حقنا أن نحفر على جدار الحزن بعضاً من حروف الفرح..؟
أمس كانت نتائج الدراسة الإعدادية، وقبلها الثانوية، شعرت بفرح لا حدود له في هذا الفضاء الأزرق، شباب بعمر الورد كابدوا ما تنوء تحته الجمال والجبال، ومع ذلك زرعوا بساتين الفرح في كلّ بيت سوري..
في كلّ أسرة وما أشدّ توقنا لساعات من فرح العمر..
ربّما من يعرف أنّي لست ممن يعيشون الفرح قد يسأل: ما الذي طرأ..؟
وكيف؟ هل فككت قطبة الحاجبين كما تقول حفيدتاك؟.. وهل مازلت تكره تتبع التفاصيل التي تمزق كلّ جميل..؟
قبل عقدين من الزمن لم أكن أظنّ أنّ ثمة صياغة جديدة لحياتي ستفرضها طفولة الأحفاد.. لكنها حدثت، وكأن الجميع على موعد مع صناعة الفرح من خلال الطفولة التي يجب أن تأخذ أبعادها.. في مشهد الفرح الصغير كنت أنظر إلى حفيدي (حيدر) وهو يقترب من عامه الثاني، كيف كان يقلب الكتب يتأملها قليلاً، ثم يلقي بها أرضاً ويصفق فرحاً أنظر إليه بشغف، وأنا الذي لا يطيق أن يمس أحد ما طرف ورقة من كتاب.. تنظر إليّ جدته: ألا تراه كيف يعبث بالكتب.. (شاطر علينا إذا تمزقت ورقة) أبتسم وأنا أتابعه بشغف، يعيد الكتاب إلى الطاولة وينظر إلي، وما يكاد يصنع كومة منها، حتى يعود ثانية إلى رميها، وكأنه يقول لي: هذه كتبك قد لا تنفعنا يوماً ما، لكن قرارة الأعماق تقول: سأصونها.
لحظات ينضم إلى أختيه.. يرقص يصفق.. يركض يشاغب.
يطير القلب فرحاً وأشعر أنّ العالم ملكي.. أكاد أحلق في فضاءات بلا حدود، أفراح صغيرة ترسم آمالاً كبيرة.. أريد أن نمزق قمصان الحزن، لنصفق لأبنائنا الناجحين لنفرح بهم معهم.. يليق بنا الفرح.. حان لنا أن نرسم بسمة على شفاه الجميع، الأمر ليس معجزة، فقط لنبحث عن قبس النور في القلب، في الحياة، شكراً لكم يا من صنعتم فرحاً يليق بنا، فليكن الفرح من بيده ويستطيع أن يفعل ذلك.. ننتظر.
معاً على الطريق – ديب علي حسن