هي سمة عامة، بل جينات حضارية تاريخية متوارثة أباً عن جد إلى السلالة الأولى في الإنسان السوري أنّ الحزن ميزته والفرح غالباً عابر لا يترك حتى قطرة ندى تبلسم أو تسقي جرحاً نازفاً، ولو كان لبرعم لمسته الريح فانفتحا ..
ولم يكن الأخطل الصغير خارج سياق جدلية هذا المعنى حين قال :
يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً ..كعاشق خطّ سطراً في الهوى ومحا
إننا نعيش حالة التلاشي والانصهار الغياب خارج لحظة الفرح .
ألا نقول بعد كل ضحكة: اللهم أعطنا خير هذا الضحك كأننا على يقين أن جذرنا الألم..أننا منبتون عن لحظات يجب أن تكون هي العلامة الفارقة في حياتنا..
وكم كان الشاعر محمد الماغوط صادقاً وهو يقرأ ما كان، وسيكون حين كتب (الفرح ليس مهنتي ).
اليوم بعد عشر عجاف، كل واحدة منها بعشر أعترف أني أجاهد كي أخرج من جينات الحزن..وأنفض عن كاهلي ومن تجاعيد الوجه وشرايين الدم والقلب، صدأ الحزن الذي تسمع صهيله، بل ربما يمكن لمايسترو ماهر ومبدع أن يؤلف سمفونية الحزن الصامت، ليس عليه إلا أن يحسن الإصغاء لأنين الحزن الذي لايسمعه إلا من يكابده، ليمتطي حافلة ما، أو ليكون بين مجموعة منا، فليقرأ ما في العيون، وما هو مكتوب على الجبين. وستكون سمفونيته أرق وأعذب سمفونية، وأكثر السمفونيات صدقاً وقدرة على التقاط حتى موسيقا الحزن السرمدية، ولكأننا نحن السوريين من صبغ الكون بها …
ولكن هل علي – علينا أن نبقى ننشد أسفار الحزن، أليس للفرح مكان في هذه المجرة التي لا أحد يمكنه سبر أعماقها ؟
بلى، ثمة شلال من الفرح يبدأ قطرة قطرة فأشعر أنّ الدنيا تخضل حين يعبر حفيدي (حيدر) الممر بين بيتينا، والمسافة بضع خطوات يعبرها وهو ابن العامين مصفقاً بيديه، راقصاً وهو يردد ( تته . تته ) أرى.
كأن الارض تراقصه و( بلاطات العتبات ) تورق وتتهادى به كأنها زورق فوق موج هاد ..طفل يكسر عتبات اليأس ويفك قطبة حاجبي اللتين تبدوان كأنهما استعدتا لمنازلة حتى الهواء ..
اليوم، في انتخابات وحدتنا المهنية (صحيفة الثورة) كان الفرح يخطو رويداً ..همس، وكلام، وسلام ..وترقب ليوم طويل من التاسعة صباحاً حتى السادسة، وما بعد التنتيج والفرز ..
برعم فرح، ليس عابراً أبداً، ثمة بذرة انتشت وأحاطت بالمكان …نحن على طريق طويل طويل، عطره ضحكات زملاء وزميلات، يقرأ أمين الصندوق كل ورقة .. ما يكاد يلفظ اسم فلان، حتى يأتي اسم آخر ملازم له مداورة ..تتكرر الحال كثيراً وتمضي ساعات من العمل المرهق للجنة ليكون حصاد الزملاء فرحة بثقة نالوها ..
أتوق لأن تبقى هذه الفرحة، وهذا الحماس في قادمات الأيام، لدينا ما نكمله وسأستعير من الماغوط عنوانه _ وليس عيباً فالإنسان كائن استعاري _وأقول: الأمل مهنتي، وأجاهد لأن يبقى الفرح يتراقص أمام عيني ويغدو شجرة تورق حتى على العتبات، و مع متلازمة الأسماء، ومع خطا كل طفل في بلادي، مع حفيدي وهو يردد (تته تته)
معكم أنتم، أينما كنتم، وكيفما قرأتم هذه السطور.
معاً على الطريق – ديب علي حسن