شكلت الأمسية التي أحيتها المغنية السورية وعد البحري بمرافقة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية، بقيادة عدنان فتح الله في دار الأوبرا، مناسبة جديدة للحديث عن قيثارة الغناء اسمهان التي رحلت بظروف مأساوية وغامضة وهي في أوج شهرتها وتألقها.
فقد لونت وعد البحري بصوتها الخاص، وبإحساسها الصادق، بعض أشهر أغاني أسمهان، وخاصة التي لحنها لها فريد الأطرش ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب ومدحت عاصم، فهي فنانة تعبت على نفسها وكرست وقتها في سماع التراث الفني الراقي ( وخاصة تراث أسمهان) واختارت ماطاب لها من أغان وألحان، وهي ليست مقلدة بمعنى التقليد السهل والعادي، وذلك لأنها تمتلك القدرة على الإضافة بموهبتها، وبصوتها من خلال التنقل من طبقة إلى أخرى، وهكذا أخرجت الأغاني من إطارها ووضعتها في إطار خاص بها وحدها.
من جهة أخرى شكلت الأمسية مدخلاً للعودة إلى قراءة أبعاد صوت أسمهان الرائع، وقدرته على التجدد والبقاء والخلود، كونه منح الأغنية مسحة خاصة لم تكن معروفة، ولهذا استمر في التألق والتوهج في زمننا المعاصر، وظل الجيل الفني الجديد يستعيد أغانيها وينهل من نبع ابداعها الذي لا ينضب، ويكفي وعد البحري أنها تعود إلى الماضي في خطواتها الفنية المتواصلة بعشق وبمثابرة وحب وعشق مطلق.
ويجمع النقاد أن اسمهان كانت ولا تزال صاحبة أجمل صوت نسائي، وصوتها يشبه أصوات بعض الآلات الموسيقية، ولهذا وظف محمد القصبجي لحنه (ياطيور) لإظهار هذه الميزة، في تغريد الطيور بصوتها.. كان صوتها دقيق الملامح، فريد النبرات، سليماً من أعلى جوابه إلى أدنى قراره، وهذه ميزة لا تنطبق إلا عليها وعلى أم كلثوم، ولهذا تعتبر واحدة من اثنتين، قد تكون الأولى وقد تكون الثانية، لكن الثابت أن لا ثالثة لهما، هذا إذا أخذنا الموسيقا والغناء كعلم له معاييره وقواعده وضوابطه.
ظهرت في الماضي أصوات جميلة وقوية مثل منيرة المهدية وفتحية أحمد ونجاة علي، لكن ثقافتهن الغنائية كانت محدودة، ولهذا أفل نجمهن، وظل نجم أسمهان وأم كلثوم مستمراً في السطوع والتألق والاستمرار مع الأجيال المتعاقبة.
رؤية -أديب مخزوم