لم يكن مستغرباً ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية مع حليفتها الأطلسية فرنسا حين وجهت لها طعنة قاسية في الظهر بخصوص صفقة الغواصات الموقعة مع استراليا والتي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، هكذا وبأسلوب جشع رخيص يذكر بشخصية التاجر اليهودي شايلوك بمسرحية وليام شكسبير تسرق واشنطن صفقة حيوية ضخمة من فم حليفتها باريس، بعد أن “ألزمت” كانبيرا بإلغاء الصفقة والتوقيع معها، لتؤكد واشنطن مجدداً أن لا قيم ولا مبادئ تحكم السياسة الأميركية حين يتعلق الأمر بالمصالح والصفقات الكبرى، وهذا ما يجب أن يكون درساً قاسياً لكلّ من يعول على واشنطن وتعهداتها وتحالفاتها، فهي تبيع وتشتري وتتاجر بالحلفاء والعملاء على حدٍّ سواء عندما تقتضي أطماعها الخاصة ذلك.
الغدر الأميركي بباريس لم يكن بعيداً عن تواطؤ بريطانيا “شريكة سايكس- بيكو والحربين” وكذلك الدور الذي يلعبه رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون شخصياً، وهو ما يعزز فرضية النية الأميركية بتفكيك الاتحاد الأوروبي، فالتحالف “العسكري” المستجد بين واشنطن ولندن وكانبيرا والذي ينمو على حساب حلف شمال الأطلسي يشي بذلك، وهو أشبه بالرد غير المباشر على محاولات فرنسا إحياء دور الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، والسعي لتشكيل جيش خاص بأوروبا بعد عدد من الطعنات الأميركية لحلفائها الأوروبيين وخاصة في أفغانستان.
ما فعلته واشنطن الطاغية بباريس المتجبرة والذي أصابها بالصميم، يصح فيه قول شاعرنا الكبير بدوي الجبل “وإني لأشمت بالجبار يصرعه طاغٍ……” وها هي باريس المجروحة “بكبريائها” مدعوة تحت تأثير هذه الضربة الموجعة أن تتلمس مصالحها بعيداً عن الثقة أو التعاون والتنسيق مع واشنطن، وهذا يلزمها بمراجعة كلّ سياساتها ولا سيما مع الصين وروسيا وكذلك منطقة الشرق الأوسط، لأن التعاطي الفرنسي مع العالم عبر البوابة الأميركية لن يكون في صالحها بأي حال من الأحوال بدلالة ما شهدناه في الأشهر الماضية.
ما جرى مع باريس حريّ أن يتعلم منه كلّ عملاء أميركا في منطقتنا وخاصة ميليشيا قسد العميلة للاحتلال الأميركي في الشمال السوري، فالعاقل هو من اتعظ بغيره، رغم أن حقائق التاريخ ووقائعه تؤكد أن الكثير من العملاء لم يكن لهم عقل ليتعظوا رغم كثرة التجارب..!
البقعة الساخنة- عبد الحليم سعود