كلّما جفّ حبر مكتبة وأُسدل الستار على تاريخ وذكريات عراقة روّاد، اعتادوا استنشاق عبق الورق والتنقّل بحدقتين توسّعتا لرؤية عنوان يرضي الذائقة الثقافية والفكرية، يروي الرّوح ويغذي العقل ويعطّر أنفاس عشّاق الكتب، تقفز إلى الذاكرة جريمة التتار عندما جعلوا من الكتب جسوراً للمرور عبر دجلة والذي امتزج ماؤه بحبر المخطوطات والكتب من مكتبة بغداد…
التتار اليوم ضيّقوا الخناق على شعب سورية وحاولوا تجفيف حبر عقله وقلمه وورقه واستلاب غذائه الروحي والفكري قبل الغذاء الفيزيولوجي ليكون جسراً لمرور عبثيتهم وخلق فوضى وفراغ عقول ليسهل العبور فوق رؤوس وأجساد الشعوب…
بحثاً عن لقمة العيش تغلق مكتبة عريقة “نوبل” أبوابها كجاراتها وسابقاتها من المكتبات لأنّ العدوان والحصار لم يترك العباد والبلاد في “بحبوحة” عاشها قبل سنوات وهذا الحصار الليبرالي الإمبريالي الجائر دفع بالشعب لاستبدال الكتاب برغيف الخبز كأولويّة…
التتار والعدوان عبر العصور يسعى لتدمير الكتب والمكتبات وما يدور في فلكهما بمختلف وشتى الوسائل لحصار العقل، ويرى الكاتب “لوسيان بولاسترون” أنّ سرّ هذه الرغبة يكمن في أنّه لايمكن الهيمنة على الشّعب المتعلّم المثقّف…
لكن… مايدعو للتفاؤل أنه ضمن البقعة الجغرافية السورية ذاتها يوجد من يدافع عن العقل ضدّ أشكال الإرهاب حيث يقوم فريق (ورق) التطوعي بتشجيع الشباب على القراءة ومساعدتهم باختيار عناوين ثقافية وأدبية وفكرية وإتاحة فرصة المناقشة بالكتب المقترحة للقراءة…
المكتبات الخاصة أو العامة جزء لايتجزأ من عملية بناء الثقافة ونشر الوعي بأهمية القراءة، ولم ينقرض بعد الجيل الذي يحمل في ذاكرته ويحفظ من التاريخ جرائم الصهيوأميركية من نهب كنوز التاريخ والحاضر والتراث، وحرق المخطوطات والمكتبات، وقصف الآثار وسرقة مايُحمل، وتدمير المدارس والجامعات، وتغيير المناهج التربوية والتعليمية واللغة في المناطق المحتلة من سورية…
رؤية – هناء الدويري