منذ احتلال مدينة القدس وعلى مرحلتين سعت وتسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي وعبر جهود مكثفة لتهويد المدينة، وعلى مستويات عدة عبر اتباع سياسات وآليات واضحة وبعد أن أحكمت القبضة على الشطر الغربي منها وتهويده بشكل كامل سرعت جهودها باتجاه الشطر الشرقي، ولم تتوقف عمليات التهويد مطلقاً بل كانت تنفذ بالتوازي مع رصد موازنات مكونة من مبالغ ضخمة لتنفيذ مخططاتها على مستويات عدة، فعلى صعيد التهويد الديمغرافي أصبح واضحاً خلخلة الميزان لمصلحة المستوطنين الصهاينة وتشكيل بيئة طاردة للفلسطينيين المقدسيين ودفعهم للهجرة بسبب فقدان المنازل أو العمل حيث بلغ إجمالي سكان مدينة القدس بشطريها حتى نهاية العام الماضي حوالي900 ألف منهم 62بالمئة من المستوطنين وحوالي 38بالمئة من الفلسطينيين وبلغ عدد الفلسطينيين215 ألفاً في شرقيها بينما لا يزيد عددهم في غربي القدس عن 5000 يقابلهم 350 ألفاً من اليهود وإلى جانب ذلك عملت سلطات الاحتلال على إقامة الجدران العازلة وجدران الفصل العنصري حول القدس إضافة لقطع التواصل بين الأحياء الفلسطينية ناهيك عن الاستيلاء والمصادرة وهدم البيوت بحجة عدم الترخيص مقابل دفع غرامات باهضه وتعجيزية ناهيك عن انتهاج سياسات الاعتقال والإبعاد وسحب بطاقة الهوية من الفلسطينيين المقدسيين المقيمين في القدس الشرقية (الهوية الزرقاء) حيث بلغ عدد المقدسين المسحوبة هوياتهم حوالي 14500 مقدسي وعدد من تأثروا بالسحب حوالي 100000من الاحتلال عام 1967 كما منع المقدسيون من تكوين أيّ جبهة سياسية داخلية معارضة لجهة حرمانهم من حقوقهم السياسية وإلى جانب التهويد الديمغرافي تمارس سلطات الاحتلال التهويد الديني والثقافي والعمراني حيث تزخر مدينة القدس بالعديد من المعالم الدينية المسيحية والإسلامية والأوابد الثقافية وتسعى وتعمل سلطات الاحتلال بشكل ممنهج على طمس تلك المعالم وتشويهها من خلال الاستمرار في الحفريات حول المسجد الأقصى وأسفله والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد بين المسلمين واليهود وتكثيف اقتحامات المسجد الأقصى والاعتداء المستمر على المصلين ومنعهم من الدخول لأداء الصلوات حيث بلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد وحده حوالي 25628 بزيادة 25 بالمئة عن الأعوام السابقة وكذلك التضييق على المسيحيين واستمرار الاعتداء على الكنائس والأديرة من خلال فرض ضرائب باهظة عليها يضطر القائمين على خدمتها للخضوع لأوامر سلطات الاحتلال والتدخل في تحديد هوية قساوستها ورهبانها ومرجعيتهم، وإضافة لما تمت الإشارة إليه تعمل سلطات الاحتلال على تكريس سياسة عزل مدينة القدس عن باقي مدن الضفة الغربية وتعقيد طرق الوصول إليها ونصب الحواجز الإسرائيلية في كل مكان والاستمرار في بناء ما يسمى الوحدات الاستيطانية فوق الأراضي الفلسطينية المصادرة عنوة من أصحابها وهدم البيوت فقد بلغ عدد البيوت والمنشآت التي هدمتها سلطات الاحتلال ما يزيد على 5000 بيت ومنشأة في شرقي القدس وتهديد أكثر من20000 بيت مقدسي بالهدم تحت ذرائع مختلفة بحيث تفرض عليهم رسوماً وغرامات باهضة لا يمكنهم تحملها وقد تصل إلى 30000 دولار للرخصة الواحدة وإن استطاعوا تحملها فإن العملية الإدارية الطويلة هي مسألة أخرى وإلى جانب أشكال التهويد والقضم تلك تستمر سلطات الاحتلال في تهويد أسماء الشوارع والمعالم الفلسطينية بأنواعها كافة وتشويه الهوية ومحو الذاكرة من خلال كي الوعي الفلسطيني للأجيال الناشئة عبر فرض مناهج إسرائيلية تتناول تاريخ ما يسمى (إسرائيل) وبما يدعم روايتها المزعومة مع تجاهل لتاريخ فلسطين وماضيها وانفاق مبالغ ضخمة على عملية الأسرلة للأجيال الناشئة.
من خلال ما سبق يتبين أن عام 2020 كان من أكثر الأعوام قساوة على الشعب الفلسطيني حيث شكلت إدارة ترامب المنصرفة ومعها وباء كورونا وفيروس التطبيع وتآمر بعض الأنظمة العربية التي انزلقت إلى مستنقع التآمر المكشوف على القضية الفلسطينية والتواطؤ والتحالف مع العدو الصهيوني حيث شكل ذلك أحد العوامل المحفزة للاحتلال الإسرائيلي ليمضي قدما في تنفيذ ما تمت الإشارة إليه لجهة فرض وقائع على الأرض والسعي لشرعنتها عبر ما سمي تطبيعاً الذي هو في جوهرة خيانة لحقوق الأمة وتضحيات أبنائها في سبيل استعادة أرضنا السليبة عبر صراع امتد لأكثر من مئة عام وسيتمر حتى تعود الحقوق لأصحابها وعلى الرغم من كل ذلك الانحراف والتآمر والخساسة فإن مقاومة شعبنا الفلسطيني وأهلنا في القدس اعتماداً على ظهيرهم وسورهم العالي وقلعتهم الحصينة سورية التي كانت ولازالت وستبقى حاملة راية العروبة والمقاومة والجدار الصلب الذي لا تقهره قوة مهما امتلكت من عناصر العدوان والغدر.
إن تفعيل حراك كافة القوى على مستويات المواجهة بكل صورها وأشكالها مسألة في غاية الأهمية من أجل انقاد القدس وتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة سواء في الضفة الغربية وغزة والجولان العربي السوري ومنع العدو من تحقيق أهدافه وهذا يستدعي نصرة أهلنا في المدينة المقدسة بكل أشكال الدعم ومنع العدو الصهيوني من الاستفراد بهم إضافة إلى إدانة ومعارضة أي توجه استسلامي يفرط بقضية فلسطين وفي القلب منها مدينة القدس عاصمتها التاريخية.
إضاءات- د. خلف المفتاح