يبدو أن أحوال الطقس وتبدّل المناخ فصولاً، يستجرّ الأفكار ذاتها.
مع دورة كل عام تتكرر الأجواء عينها.. فتنثر بذور خواطر لا تختلف عما سبقها في عامٍ مضى.
هذا ما فكّرت به حين نظرت عبر فتحة سماوية أظهرت اللون الصافي..
يكاد المشهد الذي يتراءى لها يهمس: بقايا الصيف تعاند في وجه الخريف.
يقترن في ذهنها مجيء الخريف والشتاء بأجواء العزلة والسكون.. بينما تنفلش الحياة ألواناً وصخباً، ربيعاً وصيفاً.
لا تعلم إن كانت تقلّبات الطقس ذات تأثير على كلمات الشاعر والروائي الإيطالي “تشيزاري بافيزي” حين تحدّث عن قاعدة العيش البطولية..
برأيه “متى ما استطعت أن تقضي يوماً واحداً دون أن تفترض أو تشمل في واحدة من أفعالك أو أفكارك حضور الآخرين، فستكون قادراً على وصف نفسك بالبطولي”.. وتتصاعد نسبة هذه البطولة حتماً في أجواء الشتاء.
من الآن فصاعداً سيزداد مرور هذا النوع من الأيام في روزنامة أوقاتها..
لابأس.. فلديها خبرة ليست قليلة بفن إدارة الوقت وملئه بالكثير من الأشياء والأفعال لدرجة تتمنى أحياناً أن يزيد اليوم عن عدد ساعاته المعتادة..
هل يعني ذلك أنها وفقاً لقاعدة بافيزي “بطولية”..؟
اعتادت دائماً مقارعة الضجيج الخارجي، لتبقى وحيدة مع أفكارها وحتى أحلامها، الابتعاد عن صخب الآخرين وطيش أفعالهم، لتتمكّن من خلق فرصة منح الحياة لبعض مما يجول في فكرها..
وما يجول في فكرها الآن هو الخلط بين ما حسبته للوهلة الأولى من عنوان يوميات بافيزي “مهنة العيش”، وبين ما استقر بوعيها حين تصفّحت تلك اليوميات.
غالباً كان العنوان بالنسبة له، إيماءةً إلى الكتابة كفنٍ يمنح نوعاً من حياة.. أو الحياة بعمومها.. بينما اعتقدتْ أنه يقدم وصفته الفريدة في “فن العيش”.
لم تُعجبْ يوماً بذاك التماهي الكامل الذي يُظهره الكثير من المبدعين بين حياتهم وإبداعهم.. إذ تنعدم لديهم إمكانية الحياة والعيش مع ذبول قدرتهم على العطاء إبداعاً.
وفقاً لها مهنة العيش هي القدرة على خلق الحياة من أكثر الأشياء صمتاً، سكوناً، وحتى ذبولاً..
ما نمتهنه في حيواتنا، سواء أكان عن شغف أم لم يكن، ليس سوى جزء بسيط من كينونتنا.
رؤية- لميس علي