بالرغم من انتشار المعارض الالكترونية الدولية، وقيام بعض الفنانين السوريين، في الداخل والخارج بتنظيم بعضها، بهدف التعارف وإيجاد حوارات فنية تقرب المسافات وتعمل على تبادل الخبرات والثقافات على نطاق عالمي، لاتزال للمعارض التقليدية سطوتها المحببة والمفضلة، تماماً مثلما حافظ الكتاب الورقي على سطوته، فالذي يشاهد اللوحة عن قرب غير الذي يشاهدها عبر شاشة الفيس بوك، والفرق بين المشاهدتين تحددها فروقات مرهفة شديدة الحساسية تساهم فيها تضاريس المادة اللونية، ولمسات الفرشاة وارتجافاتها الانفعالية والعاطفية ومداها الفيزيائي الطبيعي، وتنوع الدرجات اللونية، وتوضع الطبقات الكثيفة والشفافة، وغير ذلك من المؤثرات البصرية اللامتناهية.. وهذه المؤثرات لا تظهر حتى في الصورة الملونة المطبوعة بدقة عالية كما تظهر في الواقع، فكيف ستظهر على الشاشة المضاءة والملونة.
وعلى هذا فالإيقاعات البصرية الموسيقية الحاملة ايقاعية وتر اللون ونغم اللمسة، التي تختصر تقاسيم المفردات التشكيلية المسموعة بالعين، لا يمكن الإحساس بها بشكل كامل إلا بالوقوف أمام اللوحة الأصلية، فلكل حركة أو لمسة لونية لها موقعها في محاورة الإيقاع الموسيقي المرافق، وبالتالي فالإيقاعات اللونية تبرز كصدى لإيقاعات الحركة اللحنية، التي ترافق إيقاعات حركة الرسم أو حركة الفرشاة في خطوات تقريب فن الرسم من تنويعات النغم الموسيقي، فكل حركة لونية أو خطية أو ضوئية تصبح مصدراً من المصادر الأساسية للحركة اللحنية في موسيقا اللوحة، وبمعنى أدق تصبح اللوحة وخاصة حين نشاهدها عن قرب نوتة موسيقية للمقطوعات المرافقة، بحيث يمكن الإحساس بها عن طريق العين، فالمؤثرات البصرية التي تكوّن موسيقا اللوحة يمكن قراءتها على أساس تنويعات النغم الموسيقي الافتراضي المرافق للرسم، ولهذا فمن أكبر أخطاء زمن الصورة الالكترونية، الاكتفاء بمتابعة المعارض عبر صفحات التواصل (كما يحصل الآن) بدلا من الذهاب إلى صالات العرض، ومحاورة الفنان، والإحساس المباشر بتضاريس سطح اللوحة ونغم اللون والخط وانفعالية الحركة وحيوية التشكيل، والمؤثرات البصرية التعبيرية والجمالية والذاتية والروحية.
رؤية -أديب مخزوم