” ليلة تعطل العالم.. “

حدث يعتبر من العيار الثقيل، ومفاجأة مدوية نالت من مملكة الرقمية بشكل مباشر، وبالتالي من جميع المؤسسات، والشركات العالمية، والأنظار كلها مع القنوات الفضائية، ووكالات الأنباء، وأسواق المال، والبورصات، تتجه إلى الخبر المفاجأة، والأبرز بأن خوادم مواقع عمالقة التواصل الاجتماعي والتي هي الأشهر، والأكثر انتشاراً قد تعطلت جميعاً، وفي وقت واحد فتوقفت خدماتها.. والخبر يقع على الرؤوس كوقع الصاعقة مادام ثلث سكان العالم يعتمدون على الشبكة الذكية في تعاملاتهم، وإعلاناتهم، وتنقلاتهم، وعلاقاتهم، كما في تسوقهم، وهم ينتظرون أن يصل إليهم السبب الذي يبرر الحدث الكارثة.

ومع مرور الساعات تتكشف أبعاد تلك الكارثة التي لم تقع على رؤوس رواد شبكات التواصل فقط بل إنها تصل إلى شركات التجارة العالمية، والأخرى التي تعمل من خلال شبكات التواصل الاجتماعي مع جمهورها، أو زبائنها، في إيصال خدماتها إليهم.. والآثار السلبية تتوالى لحظة إثر لحظة فإذا بأسعار أسهمها تتهاوى، وإذا بالخسائر المالية تتداعى، وبأصوات الاستجوابات للرؤساء التنفيذيين لهذه الشركات تتعالى، وتقوم الدنيا، ولا تقعد.

فماذا سيفعل العالم إذا ما وقعت الشبكة الإلكترونية برمتها، وتهاوت، وانهارت خوادمها بسبب أخطاء تقنية لم نضعها في حساباتنا، والاحتمالية قائمة، فهل سيكون هذا اليوم هو يوم يسجله التاريخ على أنه بداية الصحوة الجماعية باتجاه التحرر من سطوة الرقمية التي باتت تحكم حياة البشر، ومن ورائها مَنْ يبرمجها، ويوجهها، والمصالح الكبرى تتحقق من خلالها ليس في الأرباح المالية فقط بل في التأثيرات المجتمعية، وانعكاساتها على سلوك الأفراد أيضاً.

وتشتد المنافسة خلال ساعات قليلة بين المواقع التي توقفت عن عملها، ونظامها الأمني المبرمج يمنع موظفيها حتى من الدخول إلى مكاتبهم، ومواقع عملهم، والمواقع الأخرى التي تجاوزت هذا التوقف، وظلت تعمل لتنشر على منصتها ترحيباً حاراً يستقطب إليها زبائن جدداً للتواصل من خلالها.. بينما تضج القنوات الفضائية بأخبارها العاجلة، والتكهنات، والتحليلات التي ترتبط بالسياسات، وفي سعي لربط حلقات الأخبار بعضها ببعض في سلسلة من الأسئلة، والتساؤلات حول هذا الحدث ما إذا كان مدبراً، ومقصوداً لغايات لا يدركها إلا أصحابها، أو أنه ليس أكثر من هجوم (سيبراني) متطور على نطاق واسع، أم أنه مجرد عطل تقني له أثر كارثي، أم أن خللاً أصاب إحدى الشبكات الرئيسية فتداعت معها باقي الشبكات، وانقطعت حلقات الوصل فيما بينها وبين مستخدميها مادامت شبكة (الإنترنيت) ليست شبكة مركزية، ولا يتم التحكم بها من قِبل جهة واحدة.

والدنيا تضج بالسؤال، ولا تصدر عن الجهات المعنية معلومات كافية تشفي الغليل، والقلق يتزايد على الشركات وقد تعطلت مصالحها الاقتصادية التي تديرها عبر تلك المواقع وقد انهارت دون سابق إنذار.. وكذلك على المستخدمين في تواصلهم مع أصدقائهم، أو في متابعة ما يهمهم من أخبارهم، وهم قد بلغوا قدراً من العاطفية في تواصلهم مع بعضهم البعض كبشر بحيث لا تحتمل قلوبهم غياب الاتصال ولو لبضع ساعات.. وبعض الدول تتفاعل مع الحدث بفائق القلق، والاهتمام، لدرجة تعلن معها حالة التأهب (السيبراني) خوفاً من أن يكون سبب العطل هو نوع متطور جداً من القرصنة الإلكترونية.. وتصدر التصريحات الرسمية من مواقع القرار للدول العظمى من الكرملين، ومن البيت الأبيض، القوى الأكبر في العالم حول الحدث الأكبر، وكأنه فيروس جديد قد انتشر، أو أنها جائحة جديدة تنال من العالم في اقتصاده، وأسواقه المالية، وعملاته الرقمية، وبيعه الإلكتروني.. وكنت إذ أذهب بعيداً في مسار خيالي العلمي أتوقع أن تقوم بذلك عاصفة شمسية كبرى، إلا أنها عاصفة بشرية قادرة على أن تطيح في لحظات بأكبر القوى الإلكترونية لتتهاوى جدرانها كما لو أنها من رمل، أو من وهم.

لكنها بضع ساعات لا أكثر مرّت، والضجيج فيها وصل إلى أجواز الفضاء قبل أن يعم الفرح من جديد، وتعود المياه إلى مجاريها، وتعود الخوادم إلى عملها، وكأن شيئاً لم يكن، وينطفئ الخبر العاجل الذي أشعل العالم ككرة نار ملتهبة.. وما من أحد سيهتم بعد ذلك بمعرفة حقيقة ما حصل فعلاً بعد أن خرج كلٌ من دائرة حيرته، وعادت نبضات المواقع من جديد إلى ساحته.

إلا أن ما حدث كان سبباً كافياً لتنكشف هشاشة الرقمية، وأمنها (السيبراني)، وبنيتها التحتية التي يمكن لها أن تنهار في أي لحظة شأنها شأن النظام الصحي العالمي الذي كشف عن هشاشته أمام أول أزمة وبائية أصابته، وهذا يستدعي منا بالتالي أن نتعامل معها بحذر، وأن نتوقع غيابها يوماً ما لو مؤقتاً لأي سبب كان.. ولتنكشف أيضاً سطوة الشركات العملاقة التي باتت تحكم خطاب العالم، وتبرمج العقول حسب مصالحها، وتغيّر في بنية المجتمعات، وفي مصائر الدول أيضاً، وتؤثّر سلباً في أجيال مستقبلية وهي تؤثِر الربح على حساب القيم الأخلاقية عندما تتحكم بمشاعر مليارات من البشر.

فهل آن الأوان لكسر قوى تلك الشركات الكبرى التي لم يعد بالإمكان السيطرة على هيمنتها بينما الرياح من حولها تجري بما تشتهي سفنها؟.

* * *

(إضاءات) ـ لينـــــا كيـــــــلاني 

آخر الأخبار
وسط دعوات للعدالة وعدم النسيان.. إحياء الذكرى الثالثة عشرة لمجزرة داريا الكبرى  يئة ضمان الودائع... خطوة لإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري مجدداً اليوم..معرض دمشق الدولي يفتح أبوابه ونوافذه إلى العالم "سويفت" ليست مجرد خطوة تقنية - مصرفية.. بل تحول استراتيجي على حركة التجارة من الوعي إلى التطبيق..البلوك تشين في خدمة التحول الرقمي الحكومي أموال "البوابة الذهبية".. عقود بيع لا ودائع مجمدة (2-2) المعارض الذكية لتبادل المعلومات والخبرات المهندس حسن الحموي: فضاء واسع للمشاركين تركيا: الاعتداءات الإسرائيلية تقوض مساعي إرساء الاستقرار في سوريا والمنطقة معرض دمشق الدولي .. انطلاقة وطنية بعد التحرير وتنظيم رقمي للدخول  الأمم المتحدة: مقتل الصحفيين في غزة غير مقبول ويجب تحقيق المساءلة والعدالة المعامل العلفية في حلب تحت مجهر رقابة الزراعة محمد الحلاق لـ"الثورة": ما يهمنا إظهار معرض دمشق الدولي كقوة اقتصادية جاذبة للاستثمارات  صيانة خطوط الكهرباء وإصلاح أعطال الشبكة في حمص وفد اقتصادي ألماني يبحث التعاون مع غرفة تجارة دمشق جذب الاستثمارات الزراعية.. اتحاد فلاحي حمص بمعرض دمشق الدولي وزير المالية: نرحب بالدعم الفني الأوروبي ونتطلع لزيارة وفد الأعمال الفرنسي رؤية جديدة في طرطوس لدعم الاستثمار وتوسيع آفاق التصدير  اعتماد المعيار المحاسبي الدولي IFRS 17 في قطاع التأمين الكويت: مواصلة الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاته تجاه سوريا انتهاك للقانون الدولي مسار جديد لبناء تعليم نوعي يواكب متطلبات التنمية المجتمعية