قد يكون الراحل الكبير صباح فخري هو المطرب الوحيد الذي ظل يغني عشر ساعات متواصلة، دون توقف أو انقطاع، حدث ذلك في احدى حفلاته بمدينة كاراكاس الفنزويلية، عام 1968، ولهذا دخل اسمه في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية.
ولقد قال لي في حواري المطول معه الذي نشرته الثورة عام 2006 إنه بدأ الغناء حين كان في الخامسة من عمره، وبأن والدته كانت ترافقه في جولاته الفنية داخل سورية، وهي التي اختارت له أن يبقى في دمشق، لمتابعة دروسه في المعهد الموسيقي الشرقي، الذي أسسه الزعيم فخري البارودي في دمشق عام 1947، ولقد كان من خريجي دفعته الأولى . وفي فترة انتقاله من احدى مدارس حلب، إلى مدرسة هنانو في حي نوري باشا بدمشق، كان لايزال في مرحلة التعليم الابتدائي.
وأضاف قائلاً: إن الناس لا تعرف أن بعض أغنياته الشهيرة مثل (خمرة الحب، وقل للمليحة) هي من ألحانه، إلى جانب عشرات الألحان الأخرى.
وعلى الرغم من ارتكازه على معطيات التراث الغنائي الحضاري، فهو كمجمل الفنانين الكبار، آثر التميز والتفرد والتعبيرعن انسيابية الكلمة المتماوجة مع تحولات الصوت وانعطافات المقامات والإيقاعات الموسيقية المنعشة، وصولاً إلى السلطنة المطلقة المحلقة في فضاءات القدود والموشحات والأدوار والقصائد والمواويل، الحاملة لإيقاعات التناسب والاتقان، في تجسيد المشاعر والأحاسيس الإنسانية، ومناخ التحسس الفعلي لأجواء الكلمة الشعرية العميقة والمعبرة، والتي كانت تشد إلى غنائه، حتى في سنواته الأخيرة، شريحة متنوعة من الجمهور، وتشعل قلوب الشابات والشبان بالفرح والمرح والطرب، وتملأ مساحات المسرح والمدرجات بحلقات الرقص، الذي كان يستمر في أحيان كثيرة لساعات طويلة.
فهو من أوائل الأساتذة الأكاديميين وخبرته أو مهارته العالية جعلت صوته المتمكن يتبارى مع قوة التأثيرات الإيقاعية والانسيابية الخارجة من آلات التخت الشرقي، الشيء الذي كان يحول الجمهور الحاضر الى حركة دائمة تتماوج مع انسيابية صوته الشجي، وتنعطف مع إيقاعات الموسيقا الحاضرة المشحونة بالمشاعر والأحاسيس والإيقاعات الطربية الأصيلة والراقصة.
رؤية -أديب مخزوم