لاتزال أصداء رحيل الفنان الكبير صباح فخري وبالتأكيد ستبقى طويلاً، الغائب الحاضر بيننا ماحيينا، لن يفارقنا صوته الرنان، ولا تلك الأغنيات التي لطالما أحيت أمسياتنا بطريقته الصوفية التي تخطفك إليها، ولا تعيدك إلا بعد زمن.
صحيح أن السنوات الأخيرة أبعدتنا عن أمسيات الغناء التي كانت ترافق ليالينا، لكن ألحان صباح فخري أيقونة الطرب الأصيل، لم تتركنا ننفلت منها، حتى في عز أزماتنا، كانت تشبه بلسماً تخفف عنا هبوب كلّ تلك الريح الخارجة من رماد الحرب، بل كنا ننساها ونحن نردد “خمرة الحب اسقنيها عيشةٌ لاحبّ فيها جدولٌ لا ماء فيه…”
ليست القدود الحلبية التي اشتهر بها ترتدي خمارها الأسود على رحيله فقط، بل الموشحات التي لطالما اغتنت بصوته كلّما سمعناها سنشعر أنها تعلن اشتياقها للزمن الأول.
كلّ الأقلام التي فكرت بالكتابة عن رحيل فناننا الكبير، احتارت من أين تبدأ من علومه الموسيقية وهو الذي خبر مقاماتها بعمق، من امتلاكه القدرة على الغناء لساعات طويلة، هل تكتب عن الفنان الذي نشر التراث السوري في العالم، وأخلص لهذا التراث، ليمتلك هويته الموسيقية الفذة.
الأغنية السورية برحيله لحقت به مودعة في خط رحلته الأخيرة من دمشق الى حلب، للصوت قدرة لا تضاهى وهو يدور قرب النعش في جولته الأخيرة وكأن دمشق كلّها تردد وتعده بأنها “مهما طال المطال لن تتغير ولا تتحول”، ستشتاق له كما تشتاق لنور عينيه.
مرددين معها كلّما سمعنا أغنياته،
“مشتاقلك يانور عيوني حتى نعيد الزمن الأول …” الأغنية التي رافقت موكبه بمهابة في رحلته الأخيرة من دمشق إلى حلب، مسقط رأسه، التي أخلص لها حتى آخر أنفاسه الموسيقية، ناشراً قدودها الحلبية وموسيقاها الفريدة أينما حل.
رؤية – سعاد زاهر