الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
بتشييع رسمي وشعبي مهيب ودّعه محبوه إلى مثواه الأخير، القامة الباسقة المتجذرة في عمق الأصالة الذي خط اسمه بماء الذهب على صفحات التاريخ الفنان الكبير صباح فخري.. نعاه القاصي والداني بما في ذلك أهم الصحف الأجنبية، ولكن على الرغم من ذلك كله طالته سهام الصحافة الصفراء ولم يسلم من ممتهني العمل في الغرف السوداء خلف شاشات السوشيل ميديا، لا في حياته ولا حتى في مماته، فكثيرة هي الشائعات التي تحدثت عن نبأ وفاته وهو على قيد الحياة، وعندما توفى في الثاني من الشهر الجاري انتقل السباق المحموم للعديد من مواقع الأنترنت لمحاولة رصد تصريح ناري هنا أو حدث لا قيمة له يمكن أن يؤول بعدة معانٍ هناك، والسعي لافتعال الإثارة من خلال تسليط الضوء على تفاصيل ثانوية لا طائل من التعليق عليها لتحتل مكان الصدارة، تلك المواقع ترى أن السبق الصحفي هذه حدوده الضيقة (!!..) وهدفه في أحسن الأحوال جمع أكبر عدد من (الإعجابات) وإن جاء ذلك على حساب كسر المفاهيم السائدة ولي عنق تقاليد المهنة. للأسف هكذا تعامل البعض مع تداعيات رحيل أحد أهم عمالقة الطرب الذي حقق ما يعجز الكثيرون عن تحقيق جزء منه، وكان بمثابة سفير لسورية في أهم المحافل الدولية في مختلف بقاع الأرض.
اتركوا للموت هيبته واكبروا عن الصغائر، فلترقد روح الراحل الكبير بسلام بعيداً عن كاميراتكم الصفراء، لأن فاجعة الرحيل بحد ذاتها هي الخبر الأول والأهم هنا وما عدا ذلك هو ثرثرة لا طائل منها تطفو على السطح ومع أول نسمة تتطاير في الهواء، يقول المثل (إن لم يكن لك كبير فاذهب واشترٍ كبيراً) واليوم كبير الفن والموسيقا اختطفه الموت.. فعلى الجميع الصمت لأنه الأهم في حضرة الرحيل المؤلم، للّحظة خشوعها وللصغار البحث عن الفقاقيع، هو رحيل يمس وجدان كل سوري، فاحفظوا جلال هذه اللحظة ولا تقزّموا من وقارها للهاث خلف العبث والبحث عن تفاصيل بعيدة كل البعد عن رهبة الموقف، فعوضاً من البحث عن تفاصيل صفراء شاحبة، ابحثوا في مسيرة عطاء مليئة بالتفاصيل الأصيلة وغنية بالمعرفة والعلم والموسيقا والطرب والتراث وطرق تجديده، تلك كلها عناوين يمكن الغوص فيها والبحث عن مفاتيحها، ربما يكون ذلك أجدى بكثير من أخبار تصطاد في الماء العكر، فالراحل معين كبير لمن يريد أن يغرف من نبع إبداعه وينبش في مكنوناته وما عدا ذلك وفي هذا الموقف بالذات فهو من الصغائر التي لا يلملم فتاتها إلا ضعاف النفوس.
هذه الألسنة ذاتها تسارع في كل مرة إلى بث الشائعات هنا وهناك، وأحدثها الشائعة التي طالت الفنان زهير رمضان نقيب الفنانين، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الصفحة الرسمية لنقابة الفنانين أنه مرّ بعارض صحي وهو في مرحلة الاستشفاء، ما كان من بعض الصفحات والأقلام السوداء إلا أن نعته وهو على قيد الحياة، فعوضاً من تمني الصحة والسلامة له قامت بصب الزيت على النار لتحقق نسبة مشاهدة أعلى، والمفارقة أن شائعة الوفاة تحديداً كادت أن تطال أغلب النجوم السوريين (أطال الله بأعمارهم) وممن سبق وأطلقت هذه الشائعة عنهم هم فنانون بحجم منى واصف ودريد لحام وياسر العظمة وأيمن زيدان وجورج وسوف وغيرهم الكثير.
لهؤلاء كلهم أقول إن الجمهور على اختلاف شرائحه ومستوياته التعليمية والاجتماعية قد تجاوزكم بمراحل، وأكاد أرى ابتسامة تهكم ترتسم على شفاه كل من يقرأ الفقاعات الهوائية وهو يضرب كفاً بكف، اقرؤوا ما كتبه الناس من تعليقات عن رحيل الكبير صباح فخري وتعلموا، اطلعوا على رقي ونبل تعاطيهم مع خبر مرض الفنان زهير رمضان لتعرفوا أين أنتم منهم، ولا يغرنكم عدد (اللايكات) التي تحصدونها لأن ثمنها الحقيقي هو تعرية مصداقيتكم
