صياغة المشروع الثقافي الوطني من المهمّات الكبرى اليوم لأنّ الزمن والمنعطفات في تاريخنا تتحدّى أبناء سورية والمنطقة العربية بشكل عام، فلطالما بقيت الثقافة مسؤولة عن حصانة البنية الروحية والإنسانية للمجتمعات على مرّ العصور…
طريق الحرير الذي تتوسّطه سورية لم يكن طريق عبور للقوافل التجارية وحسب، بل كان طريق عبور ثقافات وحضارات بين أحرار متساوين، بين بلدان مستقلة في سيادتها ووحدتها الوطنية…
اليوم وبعد مرور قرون من الزمن يعود طريق الحرير للطّرح من جديد بشكله السياسي والاقتصادي (طرق نفط عابرة للمحيطات والقارات)، بعضها مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد لاتعير للثقافة أهمية وشأناً وتستبيح كيان الثقافة والسيادة الوطنية وتنسف الشّرق الذي قدّم للعالم كنوز المعارف والعلوم والفلسفة والفنون المعمارية وغيرها والآثار التاريخية…
المشكلات المعاصرة تقتضي وجود ثقافة وطنية مسؤولة وفي معظم تجلياتها دفاع وطني عن المُثل الإنسانية والثوابت القومية والوطنية…
الشرق ليس ثميناً بنفطه بل لأنه مُبدع حضارة إنسانية عربية قدّمت للعالم كنوزاً لبلاد ذات ثقافات تملأ متاحف العالم بكنوزها الثمينة، ومحاولات اليوم من الدول الصديقة لإعادة بعض مما سرقته “داعش” الإرهابية ودولها المؤسّسة والداعمة خطوة حقيقية لاستعادة جزء من صدى طريق الحرير الثقافي قبل الاقتصادي…
إعادة ترميم المواقع الأثرية التي دمّرها الإرهاب خطوة لإعادة الحياة وبثّ الرّوح من جديد لوثائق تاريخية يحاول العالم دفنها عبر تزويرها وسرقتها وتشويهها واقتطاع “وطن صهيوني” بتاريخ مزوّر وآثار منهوبة وكلّ الأوهام تتكسّر عند أهم وثيقة تاريخيّة صدّرت الثقافات والفكر دون مرور أو تعريج على مايسمى وهم “إسرائيل”، فهدم الجدار والتوسّع والاستيطان والاحتلال لن يمحو آثار حقيقة أن فلسطين وسورية والأردن والعراق (بلاد الشام) وغيرها من الدول العربية ركن أساسي من طريق الحرير ثقافة وفكراً وإشعاعاً لاينضب…
رؤية – هناء الدويري