في هذا الزمن الأغبر يعتمد الكثيرون في القضايا الحياتية على اقتناص الآخر طناً منهم أنها براعة، فلا يرحمون أحداً…
كلما سنحت لهم فرصة ينقضون على الآخر حين يكون بحاجة خدمة ما، أو شراء سلعة، يظن البعض أنها المكسب الذي سوف يثريه، ويزيده طمعاً، المشهد وليد الأمس واليوم، وعلى ما يبدو أن الخلل القيمي الذي لم ننتبه إليه بدءاً من الأسرة إلى المدرسة إلى كل مؤسساتنا سبب رئيس في ذلك.
كلنا مسؤولون عنه لأنه ينبع من الضمير، ويصب في الضمير، وكثيراً ما رددنا أن القيم الاجتماعية هي التي يجب ان تكون معياراً للتعامل، لن ندعي أن هناك مجتمعات مثالية، وكل مجتمع فيه ما يكفيه من المشاكل والمصاعب التي يجب ألا تصل إلى درجة تحولها إلى آفة.
ومع هذا السواد الذي نتحدث عنه، علينا أن نعترف أن ثمة أمل كبير، أن الكثيرين يعملون بصمت ويؤدون الواجب الاجتماعي، ويحكمون الضمير في كل ما يقومون به، من أطباء إلى رجال أعمال، وتجار، وكل ما في القائمة، علينا أن نضيء على هؤلاء وأن نكون الصوت الذي يشيد بهم أينما كانوا، أبو أشرف أشهر ميكانيكي يتعامل مع السيارات الروسية (اللادا) كما يسمونه ملك اللادا، لاتفارق الابتسامة شفتيه، عليك أن تكون في الثامنة صباحاً حتى تحجز دور عنده.
يعمل ساعات طوال بصمت وروية، يشرح لك ما يجب عمله، يقدم الضيافة لك وللموجودين، ولا بأس أن يروي الكثير من الحكم الجميلة، ويزرع الأمل عند مستمعيه.
أبو اشرف أو ملك (اللادا ) لم يترك ساحة العمل حين اشتدت الحرب الإرهابية علينا، بل اتخذ الرصيف مكاناً للعمل ومن معه، لم يرفع أسعار المهنة كما فعل الكثيرون، تفاجأ أنه بعد عمل ساعات وحين تطلب الحساب، بابتسامة جميلة، يقول لك كذا، لا تصدق، أحقا مازال من يتعامل بالألفي ليرة، والأكثر قليلاً ؟.
نعم، إنهم كثيرون في حياتنا، وهؤلاء جمالها، ثمة من يزرع الأمل ويمضي في رحلة العمل، لايعنيه إلا أن ينجز العمل ويرضي الضمير، أبو أشرف، واحد منهم، أنموذج الفعل الصامت الذي نعرف أنه يجب أن يكون الشريحة الأوسع والأشمل في وطن لم يبخل على أحد، سلام لكل مهنة، ولكل ضمير يعمل بوحي التعاضد الذي نحتاجه اليوم قبل أي شيء آخر، سلام لأبي أشرف وشرفاء الوطن كله.
معاً على الطريق – ديب علي حسن