الثورة – رنا بدري سلوم:
“الإعجاب هو أن تقف خمس ساعات أمام لوحة جميلة في المتحف, أما الحبّ فهو أن تقف خمس دقائق فقط وتذهب, ثم تعود لسرقتها في الليل مقولة ” بيكاسو”، تجعلنا نمعن النظر بأهمية ما قد ترى ذواتنا في لوحة مرسومة، وكأن الحقيقة ترسمها ريشة المبدع بكل فصولها، فها هي “الكمامة ” التي خلقتها جائحة كورونا قد حجزت لنفسها محطة في لوحات الفنانين التشكيليين، نمعن النظر نرى الوجوه البائسة التي تنتظر طوق نجاة، وكأن للوحات أرواحاً يتآلف معها كل عاطفي شجي يؤمن بالفن مخلصا من عذابات الضمير ساعة الحقّ يدوي لونه كقنبلة في وجه الموت والعزلة، إنها “الجائحة التي غيرت منظومة هذا الكوكب وهي مرحلة بشعة جداً بكل صدقها وكذبها” برأي الفنان التشكيلي عصام المأمون الذي رسم تمرّد الإنسان وحالاته التعبيرية الخوف والانعتاق والوحدة، ويتساءل ماذا لو حجزت اللوحة الفنية مكاناً لها في العمل الدرامي، في المؤتمرات، الاستوديوهات والمطاعم والمقاهي والمدارس والجامعات؟ أو أن يقتني بعض الممثلين الذين يتفاخرون أعمالاً لفنانين سوريين؟ ماذا لو أعفي تاجر ما بقسم من الضريبة مقابل اقتنائه أعمالاً فنية؟ وإلا كيف ستنمو ثقافتنا البصرية وكيف ينتشر الفن التشكيلي إذا لم يكن هناك تفاعلٌ مجتمعي مع اللوحة الفنية المكملة للثقافات الأخرى؟! فالفن التشكيلي يدخل في تفاصيل الأشياء المحيطة بنا، ينتجها كما يحلو له، وبالتالي فهو ليس مضيعة للوقت أو من كماليات الوجود أو بذخ الحالة كما يعتقد البعض، بل يصبح الفن التشكيلي المتواصل شبيها بالموسيقا، يحيي المكان، يلوّن ظلمة الأيام، وينفخ في خواء العقول نفحات روحانية، ليواجه سدّة الشر بنور الحق ويزيل آثار الحروب والكوارث والأوبئة من أدمغتنا، فما تفعله اللوحة الفنية من حوار الحضارات بين الماضي والحاضر والمستقبل نتاج مخيلة فنان مبدع، يفتح لنا آفاقاً سماوية نحلم معه نفكر في عالمه الشغف والشغب حتى نمسي في تعابيره التجريدية أفضل مما نحن عليه، فيكون لكل لوحة هوية وانطباع وبصمة في تاريخ الفن التشكيلي الذي نحتفي به والذي بلغ عامه الألف.
