ليس جديداً أن تنطلق آثارنا المادية واللامادية إلى العالمية، لتفسح لها مكاناً هاماً على لائحة التراث الإنساني العالمي، فعلى مدى التاريخ الغارق في القدم ومنذ آلاف السنين، كان شعبنا يسعى دائماً نحو الارتقاء في تراثه، فكانت تلك الآثار الشاهد الحي على عراقته وتقدمه وازدهاره.
واليوم إذ نحتفي جميعاً بإدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني بعد خيال الظل والوردة الجورية والحرف العربي، نشعر بالفخر والاعتزاز لما قدمه شعبنا للبشرية من فنون الثقافة التي استحقت بجدارة أن تتبوأ مكانتها بين عناصر التراث العالمية.
وفي العودة إلى معايير اختيار هذه العناصر نجد أن أهمها أن تكون ذات قيمة عالمية استثنائية، وأن تمثل تحفة عبقرية خلاقة من صنع الإنسان، وأن تمثل إحدى القيم الإنسانية الهامة، ما يؤكد أن سورية كما منحت العالم أول نوتة موسيقية، وأول أبجدية، هي قادرة اليوم أن تمنح الإنسانية قيمة مضافة عبر ما تمتلكه من تراث مادي ولامادي، ومازال في الجعبة الكثير من مدخرات الحضارة العريقة.
ولاشك أن هذه التحف التراثية قد تعرضت للكثير من الضياع والتشويه إبان الحرب على سورية، كان الإرهابيون يستهدفونها بوحشية لم يسبق لها مثيل، يحاولون في ذلك طمس معالمها أو اندثارها واختراق هويتنا التي نعتز بها، فوجدنا أنهم يستهدفون المواقع الثقافية والمكتبات والمدارس بتخطيط ممنهج للقضاء على تاريخ لاشك هو عصي على الاندثار، ولكن ذلك كلّه يضعنا أمام مسؤوليات كبيرة، ليس على مستوى المؤسسات والوزارات المعنية فحسب، بل على صعيد المجتمع الأهلي والشباب بشكّل خاص.
ويجب أن نعترف أن فقدان التراث لا يمكن تعويضه، وخصوصاً أنه يعبر عن مكانة الشعب وهويته، ما يتطلب المزيد من الجهود الحثيثة لحماية وصون التراث المادي منه واللامادي، ففي ذلك حماية وصونا للهوية الوطنية.
ومن الأهمية بمكان توظيف التراث كقوة إيجابية في تنمية سورية، عبر إعادة إحياء المعالم التاريخية والأثرية والمواقع التراثية واستثمارها في السياحة الداخلية والخارجية والأنشطة الثقافية والمهرجانات الدورية، فنحن نملك كنوزاً عريقة نباهي بها الأمم.
رؤية – فاتن أحمد دعبول