الثورة – أديب مخزوم:
معرض مقتنيات صالة مشوار، أقيم ضمن فعاليات أيام الفن التشكيلي السوري 2021، متضمنا مجموعة مختارة من اللوحات والمنحوتات لبعض الفنانات والفنانين ، من ضمنهم بعض الراحلين : جورج ماهر، وعبد اللطيف الصمودي، وسوسن جلال ، ومحمد الوهيبي، وعبد الكريم فرج، ونبيل رزوق .
ونحن هنا أمام لوحات لفنانين آخرين: نعيم شلش ، وعبد القادر عزوز، وموفق مخول، وهيثم شكور، ووضاح السيد، وفيفيان الصائغ ، وعصام المأمون وإسماعيل نصرة، وعدنان عبد الرحمن، وجورج فرح ، وعمار الشوا، وفادي المرابط، وأنطون مزاوي ومروان الياسين ، وعباس عمار، إلى جانب منحوتات: لمصطفى علي، وأكثم عبد الحميد، ولطفي الرمحين، ووليد مرد ، وعيسى قزح ..
انها أعمال فراغية تثير التساؤلات لأن التشكيل البصري المطروح هنا، يدخلنا في جوهر الحالة الرمزية للتكوين التعبيري والتجريدي ترتبط بإيقاعية التشكيل العفوي والتلقائي والجماليات التي وجدناها.
وفي هذا المعرض، تركزت الموضوعات حول الوجوه والعناصر الإنسانية والبيوت القديمة والطبيعة وصولاً الى الصياغات التجريدية، وهي تعبر عن مدى تفاعل الفنون التشكيلية، في حداثتها مع تأملات التراث الشرقي، في خطوات انفتاحها على عوالم الحركة اللونية والخط العفوي والمساحة الضوئية.
وأعمال المعرض يمكن اعتبارها بمثابة استعادة بانورامية لأجواء واقعية وتعبيرية وتجريدية وغيرها، ضمن صياغات اسلوبية متنوعة، تشمل معظم المدارس الفنية.. ففي الرسم الواقعي على سبيل المثال نجد عبد الله صالومة وعبد الله الأسعد وعزام الشعراني، رغم اختلاف التقنيات والمواد، وحضور الشفافية والشاعرية في الأعمال المائية، والكثافة في اللوحة الزيتية.
وفي بعض اللوحات والمنحوتات نجد مستوى من المبالغة التعبيرية في تجسيد العناصر المختزلة والمحورة إلى درجة محو كل الملامح والتفاصيل والإبقاء فقط على اشاراتها، مع إضفاء اللمسات اللونية العفوية ، واعتماد طريقة القطع، والانطلاق في رحاب الحرية التعبيرية، بحيث تظهر العجائن اللونية بسماكات متفاوتة مايزيد من ارتباطها بالتقنيات الفنية المعاصرة المطروحة في ثقافة فنون العصر.
كذلك تبرز الزخرفة الشرقية في أجزاء من بعض اللوحات،كل ذلك بحركة متأنية وبمشهدية تحافظ على أناقتها، وتصل إلى اختصارات شكلية تثير السؤال أحياناً حول ماهية تلك العناصر والأشكال المختزلة والمبسطة والمحورة. والوجه يحتل أحياناً كامل مساحة اللوحة كما في عمل نعيم شلش. وقد تصبح حركات بعض الأجساد، أقرب إلى الحركات الطائرة في الهواء.
هكذا يتجه الفنان نحو مظهر قطف روح العناصر، بمنظور مغاير لما تراه العين عبر تركيزه لإظهار الضربات والحركات اللونية العفوية، واللجوء أحياناً إلى تركيب السماكات والطبقات اللونية الموضوعة فوق بعضها البعض، وغير ذلك من أفكار جمالية حديثة، تتعاطى مع مساحة اللوحة كنور ولون عفوي ومناخ شاعري وغنائي ينتمي إلى جماليات وثقافة فنون العصر . مع التركيز في أحيان كثيرة لإظهار مساحات النور، وهذا يساهم في حضور الجو الروحاني، وما يبرز من تأثيرات متعاقبة تعاقب الزمن نفسه. هكذا تستلهم الأعمال المناخات الجمالية الحديثة، ورموزها باتجاه اكتشاف أسرار المواد والخامات، ولا شك في أن معالجة المواضيع المحببة ( كالوجه الأنثوي) عبر ذلك الأداء العفوي المباشر المشغول بكثير من التلقائية والتحرر من الضغوط الأكاديمية ، يجعل اللوحة تذهب نحو تحريك فضاءات لونية في اتجاه بناء عوالم داخلية ، فتقيم اللوحة حواراً بين انفعالات الفنان الذاتية ومشاهده البصرية، مركزاً في أحيان كثيرة على الغنائية اللونية والحركات التلقائية.
فهو يكسر السياق الموضوعي ، ويركز أكثر على الإيقاعات اللونية المتراقصة ، فالتأليف يخرج من ذاته وأحاسيسه ورؤاها الفنية ، من دون أن يبقى الموضوع محافظاً على حضوره التقريري المباشر , وهذا هو الشيء الهام قبل أي شيء آخر .
وعلى هذا الأساس يتحول الموضوع إلى مجرد مدخل لتقديم رؤى وتآليف فنية خاصة، وثقافة بصرية حديثة، تعتمد بالدرجة الأولى على العفوية اللونية والخطية عبر لمسات أو ضربات اللون ، فتبدو الوجوه والأجساد ، متمازجة مع ذات الفنان ولونيته المنفعلة والمتموجة، حيث يتعامل مع ألوانه على أنها مادة طرية قابلة للتطويع ، ويظهر ذلك التزاوج البارز بين حركة اللون وشاعرية النور أو الضوء.