الثورة – عمار النعمة:
في رحلة الإبداع يفاجئك الكاتب والإعلامي ديب علي حسن بكل ما هو متميز وثري وربما نادر, كيف لا وفي جعبته أكثر من خمسة عشر كتاباً في الأدب والفكر والإعلام…
اليوم يقدم الزميل حسن كتاباً جديداً يضاف إلى سجله حيث يتناول الفكرة ويعالجها بطريقته الخاصة والمميزة كما عودنا سابقاً وهو (المختار من الريحانيات لفيلسوف الفريكة أمين الريحاني) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بـ 103 صفحات من القطع المتوسط.
في المتن الشمالي من جبل لبنان تقع قرية تسمى الفريكة ولد أمين الريحاني سنة 1876 .. نشأ أمين في بيت لبناني الطعم والرائحة وقد كان في صغره مغامراً لا يهدأ ولا يستقر, درس في صغره في مدرسة تقام تحت شجرة زيتون بالقرب من الكنيسة أظهر أمين نجابة وذكاء ولكنه ما لبث أن طُرد من المدرسة ثم نقل إلى مدرسة أكثر رقياً هي مدرسة أهلية… في الثانية عشرة من عمره كانت هجرته الأولى إلى أميركا خلال سنواته الأولى في المهجر شغف الريحاني بالقراءة فصار يطالع الكتب بنهم شديد, وكانت الكتب التي يطالعها هي مؤلفات في الأدب الإفرنجي بينما بقيت المؤلفات العربية حينئذ بعيدة عن مجال اهتمامه لجهله باللغة العربية.
عاد إلى لبنان عام 1898 بائس الحال وفي بيت جدته استعاد الريحاني صحته, وبدأ الاهتمام بالأدب العربي وعاود نشاطه, وتمكن من اللغة العربية, طالع شعر أبي العلاء بنهم وصادف في نفسه هوى دونه كلّ هوى حمله على ترجمة رباعياته إلى الإنكليزية.
بعد أن تماثل للشفاء عاد إلى أميركا وهو يحمل في نفسه طاقة كبيرة ورغبة في الأدب والإصلاح وروحاً طامحة إلى التقدم والفلاح.
ذاع صيت الريحاني في العالم الجديد, بلغت شهرته مبلغاً عظيماً وحقق الشهرة التي يريدها, فأصبح كاتباً معروفاً, تتسابق الجرائد العربية والأميركية على نشر مقالاته, ومنذ ذلك الحين جنّد نفسه لخدمة قضية العرب, ونصّب نفسه منادياً لجمع شملهم وتحقيق وحدتهم الكبرى وداعياً في سبيل الإصلاح الاجتماعي والعمل من أجل إنقاذ وطنه من براثن الجهل والتخلف والتعصّب الطائفي.
عاد ثانية إلى لبنان عام 1904 واختار العزلة في وادي الفريكة قضى سنوات في التفكير والتأمل وقرر بعدها العودة إلى أميركا إذ عاد 1910 وكان قد أصيب بداء عصبي الذي أقلقه كثيراً, لم يمكث بأميركا طويلاً فبدأت رحلته إلى البلاد العرب انطلاقاً من نيويورك التي كان قد عاد إليها, وفي رحلته أراد وضع كتاب عن مشاهداته إضافة إلى السعي لجمع كلمة العرب.
توفي الريحاني بعد أن ظل في المشفى 29 يوماً في صراع مع المرض وقد وافاه الأجل في 1940 بعد أن أرسل ابتهاله الأخير الذي جاء فيه: (إنه لألم مبارك ذاك الذي نصحو بمهمازه من سكرة العمر بسكرة الأبدية, وإنه لوجع مقدس الذي يسوقنا صاغرين إلى القدرة التي انبثقنا منها ويعرينا من كبرياء التراب ليمنطقنا بجبروت الروح).
يشير حسن في كتابه إلى أهم مقالات “الريحاني” التي كان أشهرها “أنا سوري”، ونورد منه: أنا سوريّ لا ينسى نهضة العرب على الأتراك، ومن شاركهم بها، واستبسل في سبيلها من السوريين واللبنانيين، ولن ينسى شهداء الوطن.. أنا سوريّ.. قلتُ مراراً، ولا أزال أقول: بفصل الدين عن السياسة، وبرفعِ العصبيّة الوطنية على العصبيّات الدينية كلّها..”.
أيضاً، ومن كتاب “الريحاني” “ربّة الشّعر” وفيها يقول: ربة الشعر ألهميني الصواب وسددي خطواتي الصعاب ولا تجهميني يوم الحساب.. أسمعيني من أصواتك التي تسحر الإنس وتسكر الجن وتملأ الكون غناء وابتهاجاً فإني أذكر أن في رسومك وتماثيلك رمزاً للغناء.
نعم.. كتاب الريحاني يستحق الوقوف عنده والغوص في تفاصيله فهو الأب المؤسس للأدب العربي الأميركي حيث تمثل كتاباته الإنجليزية المبكرة بداية لمدرسة أدبية عربية في اهتماماتها وثقافتها وسماتها، وإنجليزية في لغتها، وأميركية روحاً ومنبراً, وهو أول عربي يكتب مقالات، وشعراً، وروايات، وقصصاً قصيرة، ونقداً فنياً، وأدب رحلات باللغة الإنجليزية… نشر أعماله في الولايات المتحدة خلال العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين. كذلك يعتبر الريحاني رائد “أدب المهجر” وهو أول عربي كتب أعمالاً أدبية كاملة، إما بالعربية أو بالإنجليزية، تنشر في الولايات المتحدة (نيويورك). كانت كتاباته رائدة في حركة الأدب العربي الحديث الذي لعب دورًا رائدًا في النهضة العربية والفكر العربي المعاصر.