الثورة – حسين صقر:
سرعان ما تتلاشى الصورة الجدية والشخصية المثالية فينا، ويتبخر العالم الواقعي، لنجد أنفسنا محاطين بالألعاب من بالونات وكرات ومكعبات ودفاتر رسم وورق أشغال، وأراجيح وألعاب إلكترونية كا “البلاي ستيشن” و”البلاي هوم” و”الجي تي أي ” ومتابعة الأفلام والمسلسلات المتحركة وغيرها، نافضين عن كواهلنا غبار التعب والعناء، هاربين إلى عالم مليء باللهو والتسلية، ولاسيما في خضم الظروف المعيشية الصعبة التي تترك بصماتها واضحة على جبيننا وابتساماتنا.
تلك المشاهد وغيرها قد تكون لاحظتها، أو عشتها، عندما يكون حولك عدد من الأطفال، وبحجة تعليمهم، و”حفاظاً على بعض كبريائك” تأخذ منهم هذا البالون أو تلك الكرة أو تلك اللعبة، وتلهو بها وتنسى نفسك، ثم رويداً رويداً تنسجم معهم وتتماهى، وتعود طفلاً في قلبك وسلوكك، لكن عداد أيامك فقط هو المختلف.
فالطفل الذي بداخلنا ليس بحاجة للاكتشاف، لأنه موجود، ولكن تراكمت عليه هموم الزمن فغرق في تفاصيلها، واختفى في دهاليزها، ولابد من إيجاده، عندها سنعرف أننا قد خسرنا الكثير من عمرنا، وفقدنا الكثير من الأحاسيس والمشاعر، وغاب الفرح عن ساحات تلك المشاعر.
قد تكون عشت لحظات الطفولة في سهرة سمر أو جلسة عائلية أو لقاء عابر.
وربما تكون لعبت بالبالون أو الكرة وعشت لحظات الطفولة وأنت كهل، لتعرف أن في
في داخل كل منا طفلاً صغيراً مدللاً يحب اللعب والمرح.. حافظ عليه مهما امتد بك العمر، وطالت سنينك، حتى لا تشيب روحك وتذبل.
ولا تسمح لقلبك أن يشيخ، فالعمر الذي يمضي ليس أكثر من تقويم، فالروح التي تبقى مشرقة وتزهر باستمرار، ففي داخل كل منا طفل مَن قتله، تجنباً لكلام الناس، أو خوف العيب، فقد أجرم في حق نفسه. لأن الطفولة براءة، والبراءة ليست عيباً، ومن خلالها نستطيع التعبير عن أشياء كثيرة، أشياء نحاول أن نعبر عنها فتخوننا الكلمات وتخنقنا المفردات لأننا في عمرنا الكبير ننتقيها، وفي الطفولة تنساب كجدول ماء.
فعلاً مازلنا نحب ألوان الطيف
ومازلنا نحب العبث بالدفاتر والورق، وملاحقة السراب، و مازلنا نحب اللعب تحت مياه المطر والطين، ومازلنا نحب من يروي لنا حكاية قبل النوم.
نشتاق لأيام البراءة ، عندما كنا نقع في أخطاء لاندري ماهي، وكثيراً لاندري أين سبيل الصواب، نبكي من وخزة شوك، وأحيانا نضحك من أتفه الأشياء، نصّر على العناد، وأحيانا أخرى نرضخ للتعليمات.
نشتاق لأيام البراءة عندما كنا ننظر إلى صورة معلقة في الجدار وكأنها تتابعنا، نحدِّق في القمر بشدة فنراه يبتسم، فنبتسم معه، ونراه حزيناً فنحزن لحزنه.
كبرنا.. نعم، لكننا نعشق الطفولة ونتمنى أن يعود بنا الزمن إليها
أطفال كما كنا، ولا ضير لو كبرت عقولنا وبقيت نفوسنا صغيرة.
نتوق للطفولة بعد أن لوث البعض الطرق من حولنا بالاعوجاج وتدوير الزوايا والمناورة، وغاصوا في الكذب، بدل العوم في بحار الحب، والرسو على شطآن الصدق.