الثورة – عزة شتيوي:
لم ينقطع يوماً الحبل السري ما بين واشنطن والتطرف، فالضباب السياسي والعسكري لأميركا في الحرب على الإرهاب لم يستطع يوماً أن يخفي الحقائق بأن “داعش والنصرة” وما قبلهما وما بعدهما من حركات متطرفة كانوا أداة واشنطن في غزو العالم وخاصة الشرق الأوسط.
فكانت التنظيمات المتطرفة هي الأداة الطيعة لواشنطن لتحقيق مصالحها في المنطقة ضمن لعبة القط الديمقراطي والفأر الإرهابي والذي أصبحت سلسلة من الأحداث الدامية قد تسببت في نشر الإرهاب في أكثر من ٤٠ دولة حول العالم بعد إعلان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش حربه المزعومة على الإرهاب بعد أحداث ١١ أيلول.
من سجون واشنطن ومن أحضان استخباراتها خرج تنظيم داعش وكل التنظيمات المتطرفة التي حاولت غزو سورية واستهداف هذه الدولة المقاومة لسياسات واشنطن ومصالح الاحتلال الإسرائيلي، فشهد العالم خلال عمر الأزمة التي امتدت عشر سنوات في سورية الفضيحة الأميركية الكبرى والتي ظهرت فيها واشنطن وشركاؤها تدعم الإرهابيين علناً، عسكرياً ولوجستياً، وكان ذلك موثقاً بوقائع على الأرض، من غرف عمليات استخباراتية وبرامج تدريب للإرهابيين واعتراف من الصحافة الأميركية نفسها بأن متزعمي داعش عملاء لواشنطن.
فالعالم كله شاهد المانشيت العريض لصحيفة الواشنطن بوست التي كتبت منذ فترة وجيزة بأن خليفة أبو بكر البغدادي الذي رقص الرئيس الأميركي مدعياً قتله في إدلب هو عميل للمخابرات الأميركية، ولم تكن الصحيفة تحاول حينها تحقيق سبق صحفي في نشر هذه المعلومة على أنها تحليل أو تخمين لسلوك أبو إبراهيم القرشي (الخليفة الداعشي الجديد) عندما كان في سجن أميركي بل حاولت إظهار العلاقة بين أميركا والمنظمات المتطرفة ليس لفضح إدارة البيت الأبيض وعلاقتها بالإرهاب ولكن ربما لفتح الأبواب أمام (شرعنة) تعاون سياسي لأميركا مع الحركات المتطرفة الجديدة كما تعاونت مع سابقتها.. فلا تختلف “طالبان” التي باتت شريكاً سياسياً لأميركاً عن “داعش” أو حتى “النصرة” التي ارتدى فيها الجولاني زي الدبلوماسي في مقابلة تلفزيونية برعاية الاستخبارات الأميركية، وقدم نفسه على أنه شريك المصالح الأميركية في المنطقة كما القرشي، لتقول الواشنطن بوست إنه كان طوع بنان المخابرات الأميركية.
لا نحتاج كثيراً من الشرح عن علاقة واشنطن بالإرهاب، فهي ركبت سحاب دخانه وظهرت من شظايا تفجيراته على قياس مصالحها وهناك الكثير من البصمات الأميركية في جرائم التنظيمات الإرهابية، والحقيقة التي باتت جلية هي أن واشنطن التي تحارب الإرهاب مع تحالفها الستيني هي من صنعت (داعش والنصرة والقاعدة)، فهذا له علاماته التامة على أرض الواقع من الوثائق إلى دعم التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب لهذه التنظيمات وموائد الطيران الأميركي التي كانت تنزل (للبغدادي والجولاني) وسيارات التويوتا وأسلحة أميركا وإسرائيل على ظهور البعير الداعشي، وصور سيلفي الخليفة ومن ورائه التحالف الدولي في كل معركة أو عدوان على سورية والعراق.
ولم تكن صحيفة الواشنطن بوست هي الوحيدة التي تحدثت عن الدعم الأميركي للإرهابيين في سورية، فقد ذكر موقع غلوبال ريسرش الكندي أنه في ظل دعم الولايات المتحدة وإسرائيل وتسليحهما للمجموعات الإرهابية يبدو أن أميركا وشركاءها يستثمرون في الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية في سورية.
ولفت الموقع – في تقرير له- إلى أن داعش وجبهة فتح الشام “النصرة سابقًا”، من بين المجموعات الإرهابية التي تدعمها أمريكا وإسرائيل لمحاولة إسقاط الدولة السورية، مشيرًا إلى أن هذا دليل على أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر لتنفيذ هجمات جوية ضد الجيش السوري على سبيل المثال في جبل الثردة في دير الزور والذي أدى إلى سقوط وجرح ضحايا من السوريين، وسمحت هذه الهجمات الجوية للتحالف الدولي ضد الجيش السوري في دير الزور بتقدم مسلحي داعش في المنطقة حيث كان تقدم القوات السورية عقبة في طريقهم، وفقًا للموقع الذي أوضح أن الولايات المتحدة أبرمت مع روسيا اتفاقاً لوقف إطلاق النار لاستهداف داعش والجماعات المسلحة الأخرى، لكن واشنطن قررت قصف مواقع الجيش السوري بدلاً من ذلك.
ودعت حينها روسيا لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، وقال فيتالي تشوركين، سفير روسيا في الأمم المتحدة آنذاك أن واشنطن أرادت مساعدة داعش بضرب موقع القوات السورية في موقع استراتيجي يحيط به مسلحي داعش، وأنه لو انتظرت الولايات المتحدة يومين لكان هناك إمكانية لتنفيذ ضربات جوية أكثر تأثيرًا على مواقع جبهة النصرة”.
وأوضح الموقع، أن الحكومة السورية ترى أن الهجمات الجوية التي تعرضت لها قواتها لم تكن عن طريق الخطأ، وأنها كانت بمثابة عدوان صارخ على قواتها.
وأوضح الموقع أن تلك الهجمات تؤكد أن الولايات المتحدة تدعم الإرهاب الذي تقوم به داعش وأنها تفضح الادعاءات الكاذبة بمحاربة الإرهاب.
وذكر الموقع أن الولايات المتحدة لا يهمها الشعب السوري أو الديمقراطية، وأن كل ما يعنيها في سورية هي السيطرة وإحكام خطتها الجيوسياسية للسيطرة على الموارد الطبيعية للمنطقة.
ولم يكن دعم الإرهابيين بالسلاح الأميركي والتنسيق الاستخباراتي معهم فقط بل كان هناك دعم آخر لمنظمات تقوم ببث الفبركات وتحقيق مآرب سياسية لواشنطن في المؤسسات الدولية ومنها مثلاً تخصيص 5 ملايين دولار لتمويل نشاط جماعة “الخوذ البيضاء”، سيئة الصيت، وهو دليل آخر على دعم أميركا الإرهاب لتحقيق أجنداتها في سورية، وأدانت دمشق بشدة هذا الدعم الذي تقدمه الإدارة الأمريكية للخوذ البيضاء التي كانت تخرج مسرحيات كيماوية لتشويه صورة الدولة السورية بينما تزود واشنطن وتركيا الإرهابيين بالمال والسلاح.
إذاً الاستثمار بالإرهاب هو خيار واشنطن في حربها على الدولة السورية الذي سخرت لأجله وكالات استخباراتها وكل ما لديها من عتاد وقوة في شتى المجالات، إلا أنها خسرت في استثمارها هذا، وعجزت عن تحقيق أهدافها ومآربها في سورية عبر آلياتها العسكرية، وتلقت ضربات موجعة حسرت الإرهاب في مناطق تواجد الاحتلال الأميركي في التنف والجزيرة السورية، واليوم تهيئ واشنطن لإعلان ظهور داعش من جديد لتحافظ على وجودها في الملف السوري، كما هو حال أردوغان الذي يحاول إعاقة تقدم الجيش العربي السوري إلى إدلب، فهذا الأخير وبايدن يخسران كل أوراقهما إذا ما طردت سورية الإرهاب بشكل كامل من أراضيها، لذلك وأكثر لم تنع أميركا تنظيم داعش رغم أنها تزعم محاربته منذ أكثر من عشر سنوات في سورية مع تحالف ستين دوله، فهل من المعقول أن يهزم تنظيم قادم من كهوف التاريخ كل التطور العسكري الأميركي إلا إذا كان الأميركي يقطع ذنب الأفعى الإرهابية ويطلق رأسها على خرائط مصالحه؟.