الثورة – أديب مخزوم:
تتابع الفنانة التشكيلية عبير إسبر في لوحاتها الجديدة تقنيتها الجانحة نحو الواقعية والتعبيرية والرمزية الحاملة ملامح من معطيات بعض المدارس الفنية الحديثة والمعاصرة.
فالأداء التشكيلي الذي تجسده في لوحاتها، التي تقدمها في معارضها الفردية والجماعية يبعدها مسافات عن الإشارات الواقعية التسجيلية أو التقليدية، ويدخلها في إطار الحالة التعبيرية والرمزية والخيالية المعبرة عن عمق الأحاسيس الداخلية، التي تمنح خطوطها وألوانها المزيد من التتابع الإيقاعي، الناتج عن ذلك القطع أو الدمج أو الكسر، الذي تحدثة على الشكل الواقعي، وأيضاً في وضع اللمسات اللونية العفوية في أماكن متفرقة من اللوحة، في سياق رسم مواضيع الوجوه والأجساد العارية، وتسجيل لحظات الأنوثة بحالاتها المختلفة والمتنوعة.
هكذا نجد أن اللوحة التي تقدمها عبير إسبر، في تنقلاتها بين التصريح والترميز، تعيدنا إلى مرحلة ما بعد ظهور المدارس الفنية الحديثة، وذلك لأن لوحاتها كانت ولاتزال تحمل شيئاً من الأداء التشكيلي الخيالي، الناتج عن جمع عدة وجوه متداخلة على سبيل المثال أو توليف الأشكال الواقعية بطريقة رمزية، وصولاً إلى إضفاء المزيد من الإيقاعات اللونية العفوية، على الجسد المرسوم بلمسات ناعمة وهادئة ضمن المنظر الطبيعي أحياناً، وفي المدى التصويري تجمع بين الكثافة والنعومة وبين الرقة والخشونة، للتعبير عن نعومة المرأة وخشونة الواقع الحياتي الراهن في آن واحد.
وهذه الطريقة التي تعتمدها في وضع لمسات اللون الوحشي ( نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم ) أو في وضع العجائن اللونية المتتابعة في أماكن متفرقة من لوحتها المنطلقة من الواقع أو من الرؤية الواقعية، تمنح السطح التصويري إيقاعات بصرية متنوعة الدرجات والحساسيات، وتزيد من ارتباط أعمالها بالصياغة التشكيلية الحديثة الموجودة في ثقافة فنون القرن الماضي والحالي، وكل ذلك يساهم في إبعاد اللوحة عن النعومة التي نجدها في الأعمال التقليدية ولاسيما الكلاسيكية والواقعية التسجيلية، رغم أنها تميل في بعض جوانب لوحاتها، ولاسيما في تجسيد الوجوه والأجساد النسائية، لإضفاء المزيد من الرقابة العقلانية المركزة في رسم التفاصيل، والابتعاد عن الكثافة اللونية التي تعتمدها في جوانب أخرى من لوحاتها.
هكذا تتنقل في اللوحة الواحدة بين اللمسة الكثيفة للون وبين اللمسة الهادئة والرقيقة، وهي في ذلك تستعرض اختباراتها التقنية التي توصلت إليها في بحثها اليومي المتواصل، وأعطت لوحاتها هذا التنويع في تجسيد الموضوعات الحميمية، ولاسيما الوجوه والأجساد والطبيعة والخيول والطيور والزهور وغيرها، بفرح داخلي أحياناً، وبحزن مركز أحياناً أخرى، حيث ترسم المرأة الحالمة والمتلهفة للحنان في موضوع الأمومة.
كما أن تأملات بعض لوحاتها التي تجسد فيها المرأة، تعيدنا إلى التماس بعض تأثيرات الفنون القديمة، المقروءة في الرسوم الجدارية، التي تتخذها خلفية في بعض لوحاتها، كما أن وجود الأفعى مع المرأة في اللوحة يزيد من حالات إرتباطها بالرمز والقصص الدينية والأساطير الميثولوجية الموغلة في القدم.
والحالات الروحانية وخاصة بوجود الملائكة (الأطفال المجنحة) تجعل بعض لوحاتها قريبة من الإيقونات الحديثة، برموزها الدلالية البعيدة عن التصريح والمباشرة الخطابية، كأنها ترسم صورة المرأة المحمولة على أذرع الملائكة إلى السماء.
والحالات الروحانية نجدها أيضاً في الإضاءات النورانية القوية، على أرضية خافتة أو معتمة، والتي تعالج بها الوجوه أحياناً وبذلك تمنح اللوحة المزيد من التتابع الإيقاعي الروحاني، وهذا يعطيها قدرة على الاستفادة أو التأويل من معطيات الفنون الكنسية القديمة والحديثة معاً، ويحقق من الناحية التقنية الاندفاع التشكيلي، الذي يجمع ما بين معطيات التلقائية والعفوية في صياغة اللوحة الحديثة من منطلقات الفنون الأوروبية والشرقية في آن واحد.
يذكر أن عبير إسبر من مواليد مرمريتا، وهي عضوة دائمة في اتحاد الفنانٌين التشكٌيلٌيين السوريي، لها العديد من المعارض الفردية، إضافة لمشاركاتها في العديد من المعارض الجماعية، في بعض المدن البرازيلية والسورية، وهي حائزة على شهادة معهد آثار ومتاحف من دمشق، وأنتسبت إلى عدة معاهد لتعليم الفن التشكيلي في البرازيل، وفازت بتصميم إحدى أوراق يانصيب معرض دمشق الدولي، وحازت على جوائز وشهادات شرف تقديرية، كما أنها حائزة على شهادة تصميم أزياء من البرازيل، ولقد ترك عشقها المزمن لأزياء الموضة تأثيرات جوهرية على بعض لوحاتها، فخطوط الموضة مستمدة برسوماتها وألوانها العفوية، من كل المدارس الفنية الحديثة، والفرنسي الراحل “أيف سان لوران ” أحد أشهر مصممي الأزياء في هذا العصر، كان يقول بأنه يستوحي تصاميمه الحديثة من لوحات ” بيكاسو “.