الثورة – هفاف ميهوب:
عنوانٌ ألهمني إياه، ما قرأته عن الأديب الروسي “غوغول” الذي لم يتمكّن، وبالرغم من حزنه ويأسه المرير، مما رآه في مجتمعه الذي دفعه الفساد والانحطاط فيه لإحراق أعماله.. لم يتمكّن من إحراقِ معطفه الذي استعاره غالبية أدباء وشعراء روسيا، ممن أشادوا بكلِ مواهبه، ورأوا فيها ما رآه الأديب والشاعر “بوشكين” الذي أعلن صراحة: “ليس ثمّة كاتب مثل غوغول، قد وُهبَ المقدرة على وصف الحياة في طبيعتها وابتذالها.. لقد صوّر تفاهة الإنسان والأشياء البسيطة التي تقتحمها العيون ولا تلمحها، فجعلها بارزة حيّة..”
لم يتمكّن هذا الأديب من إحراق معطفه، ولا من إزالة أثره عن تاريخٍ من الإبداع الإنساني العالمي، ذلك أن مافعله هزّ المجتمع الروسي، دون أن يغيّبه أو يُخمد مالديه من مواهب أدبية، تلك المواهب التي جعلت الدارسين لأعماله، يتساءلون عن سبب قيامه بإحراقها، ودون أن يروا مارآه في الحياة، أو يتوقفوا لدى ما توقّف لديه فأوجعه وأشقاه.
تساءلوا كثيراً، إلى أن أجاب على فضول أسئلتهم، بأنه يرفض دموع الإعجاب وحماس القلوب التي تبارك أعماله، في الوقت الذي يراها فيه غارقة في عوالمٍ، لاشيء فيها جميل، إلا طريقة تصويره لحياتها ومعاناتها.. الحياة البائسة التي اضطرّته للسخرية، وبلسان فقرائها:
“إنه لسعيدٌ ذلك الكاتب الذي يطير في الأجواء الأثيرية، حيث لا تعيش إلا المخلوقات الجميلة.. مثل هذا الكاتب يُحسد على شيئين، أنه أبعد ما يكون عن صداها، وأنه يضع ستاراً كثيفاً، على عيون الأشخاص الذين يصفهم ليحجب عنهم أحزان الحياة، مكتفياً بوصف الجميل والنبيل منها..”.
كل هذا، لا لنقول بأن على الأديب الحقيقي أن يحزن وييأس ويسخر وينعزل عن الحياة، أو حتى يحرق أعماله.. وإنما لنذكر، بأن عليه ألا يرتدي معطفه إن لم يكن من حاكه له، هو ذاته من حاكه لـ “غوغول”.. المعاناة والفقر والقهر والتشظي، وغير ذلك مما تراه عينه من حال الفقراء والمتألمين، ويدفعه للظهور موهوباً بهم ولأجلهم، لا لأجل أولئك الذين هم وعلى رأيه”: “يدّعون الوطنيّة، ويقبعون قرب النار مهتمّين بأعمالهم الصغيرة التافهة، يزيدون من ثرواتهم ويبنون سعادتهم على حساب الآخرين. لكن، ما إن يصدر كتاب يتعرّض لحقائق قاسية تدينهم، حتى يهتزّوا ويجنّ جنونهم، كالعناكب حين ترى ذبابة عالقة بخيطها”ّ.ّ