رسل التنوير في المجتمع

 

الملحق الثقافي:نبيل فوزات نوفل:

يتخذ الإنسان من ملكة التفكير والتأمل والنظر منهجاً في تكيفه مع الكون وتفاعله مع الوجود، وهذا هو سر تقدمه، فبقدر امتلاك الإنسان القدرة على التفكير وتجاوز المألوف والتقليد والبحث عن الأفضل يقرع باب المستقبل ويمتلك حاضره ويعيش معززاً على وجه الأرض.. والإبداع يقع في مجالات الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية والإعلامية والأدبية والاجتماعية، وسنركز على دور الإبداع في الأدب والفكر في حياة المجتمعات البشرية.
كما نعلم أن للأدب والفكر رسالة حضارية، ودوراً أساسياً في تقدم وتحرر الشعوب، فالأدب هو:
1–سجل الفكر الحضاري الإنساني.
-2-جملة المعرفة المكتوبة.
-3-ضد الجهل
4-إنتاج المعرفة بشتى أشكالها.
ويمكن اعتبار «ملحمة غلغاميش» أول عمل أدبي تقليدي، معروف في حياة البشرية على هذا الكوكب، فرسالة الأدب الأولى تقول:
إن ليس ثمة عمر دائم، وعبر حوار الإنسان مع الإنسان يتجلى الخير، وليس ثمة شر مقيم، ما دام الإنسان مدافعاً عن الخير والحق، وما ينطبق على الأدب ينطبق على الفكر في كل مجالاته.
والشاهد العالمي الذي نستمد منه منطق حوارنا هنا حول دور الأدب الوطني، يبديه عمل الروائي العظيم (ليون تولستوي الحرب والسلام ) الذي كان واحداً من المحركات الحضارية الرئيسة لنهوض الثورة البلشفية الكبرى.. فلقد تمكن ليوتولستوي من تركيز بؤرة إبداعه الأدبي في إبراز المقولة التالية:
«إذا كان الأشرار، عبر تاريخ البشرية الطويل، قد تمكنوا من تحقيق تحالفات وثيقة فرضوا بها سيطرتهم على مقدرات الناس، وذلك، رغم تغايرات مصالحهم الأنانية، فلماذا لم يتعلم الأخيار، ولو لمرة واحدة في حياتهم، هذا الدرس، ويحققوا وجودهم الخير، وسيسعدوا الناس بإخراجهم من مقت الشر الذي يغشَى بقاءَهم ونماءهم عبر الزمان؟!..».
إن رؤية تولستوي للفن والأدب هي ما تعبر عن الإبداع الحقيقي والتي تتجلى في نقل الحقيقة من مجال العقل إلى مجال الأحاسيس التي تفيد بأن خير الناس هو إقامة مملكة الحب، وإن مهمة الفن هي تحقيق وحدة الناس الأخوية، أي أن الفن عندما يصبح شحيح المضمون وأكثر غموضاً من حيث الشكل، فهو يفقد سمات الفن، ويصبح شبيهاً بالفن، ولا يبتعد إرنست فيشر في كتابه»ضرورة الفن» عن آراء تولستوي، وهما يحذرا من أن يتحول الفن إلى سلعة، وهذا هو الخطر الأكبر، ومن الذين عارضوا الفن للفن الناقد الروسي بيلينسكي،الذي أكد أن الفن يجب أن يكون في خدمة المجتمع ويجب أن يتوقف عن انشغاله بالتوافه والترهات، وعلى الفن أن يربي شعور الكراهية تجاه كل اضطهاد وتعسف، وأن يعبر عن آمال الشعب وآلامه ويساعد في تكوين الأسس الاجتماعية العادلة، وأن يكون نصيراً للشعب الفقير، فعندما يبتعد الفن عن القضايا الملحة في المجتمع فإن هذا الفن يفقد قوته، لقد ربط بيلنسكي الفن بالمجتمع وبأناسه، وجعله في خدمة المجتمع، ويعرف تشرنيشفسكي الفن بأنه كل ما هو شيق بوجه عام في الحياة، وإن كل ما هو ملفت للنظر وشيق هو محتوى الفن، و إن أهمية الفن في الحياة الإنسانية، ترتبط بالمتعة الجمالية، النابعة من الإبداع الفني، وأن هذه المتعة، يجب أن تفرح القلب، وفي الوقت نفسه، أن تسمو بالروح الإنسانية، أي أن مهمة الإبداع وهدفه الأساسي هي الوصول للوضع الأفضل للبشر، ورفع مستوى المجتمعات حضارياً، بحيث يبدو الإنسان أكثر راحة، وسعادة، وأمناً وهناءة البال، والارتقاء إلى الكمال وهذا يتطلب وجود أدب أصيل، يسمو بالإنسان لأنه يطهر الروح ،ويحرر الإنسان من الغرائز المضرة..وكما يرى مكسيم غوركي أن دور الفنون بشكل عام والأدب بشكل خاص هو العمل، لا اللعب.
إن الحاجة الاجتماعية تطلبت ولادة الفن كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي، ومع مرور الزمن بدأ يخدم حاجات الناس في عملية الإنتاج المادي، و في ميادين أخرى، في الحياة الاجتماعية؛ في السياسة، وفي الدين، والفلسفة.ويرى أفلاطون(427-347 قبل الميلاد) إن الفن هو عبارة عن أساليب مختلفة للتعبير عن الواقع الملموس..أما رأي أرسطو(384- 3229 )قبل الميلاد: في كتابه «ما وراء الطبيعة» يقول: إن أهم معايير الرائع هو التراتيب، والتناسب، والوضوح، حيث قسم الشعر إلى أنواع وأشكال، فقد فرق بين الشعر التاريخي، والشعر الملحمي، والشعر العاطفي ،والشعر الدرامي..كما أن قضية الفن التربوي احتلت مكاناً بارزاً في أعماله، فهو يعتقد أن الفن لا يحتوي على قيمة ذاتية وإنما هو مرتبط بحياة الناس الفكرية والأخلاقية ويهدف إلى الكمال في عمل الخير والفضيلة، لأن الفن يسمو بالإنسان، ويطهر روحه، ويحرره من الغرائز الضارة. وكما يرى /غاراتسي/ بأن الفن يجب أن يحافظ على الوحدة ،والبساطة، والتكامل، والاستمرار، والصدق في إنتاجه الأدبي،حيث يؤكد أنه إذا رغبت في ابتداع شيء ما فكن في تفكيرك قريباً من الحقيقة، ويرى كونفوشيوس أن الفن وسيلة جيدة للتربية الأخلاقية.
وبهذا يرفض نشرنيشفسكي الخضوع والخنوع،والإقرار بالأمر الواقع، كما يُعد دوبروليوبوف أن على الفن والأدب أن يعيدا تشكيل الحياة وفي تطويرها ودفع عجلة المجتمع إلى الأمام، وإلى التقدم، إن الصدق هو الشرط الضروري للإبداع الفني،يقول:» وبالتالي من واجب الأدب أن يظهر القوى الكامنة في الشعب وفي قدرته على الاحتجاج الثوري «.
وكما يرى الدكتور عبداللطيف الراوي في كتابه الشعر والعمل» في مجتمع علاقته بوسائل الانتاج ضعيفة أو طارئة، تغدو عملية الإبداع والخلق الفني قاصرة عن تمثل الواقع وإعادة صياغته بشكل متميز فنياً، والشعر نتاج فكري خلاق يجب أن يبدعه فكر قادر على العمل»، وبالتالي وظيفة العمل الابداعي هي الكشف عن إشكالات الواقع ضمن صيرورة جديرة داخل المختبر الذهني للمبدع ويرى أن هناك مبدعين يستغلون للأسف الشديد مشاعر الجمهور المكبوتة، ينجرون باسم شعبية الأدب وراء عواطف هذا الجمهور، فيتلاعبون بالألفاظ لاستنفار العواطف مثل الشتم أو التعابير الجنسية، ويرى إن اللغة هي أداة تفجير الطاقات الابداعية لا يمكن أن تنزل على أي كائن وهو حبيس جدران بيت لم يفارقه، فبمقدار استيعابه للواقع الحياتي ووعينا له نستطيع أن نحقق اللغة التي تعبر عنه، وبمقدار ما نكون شجعاناً بارعين في استغلال هذه اللغة بمقدار ما توصل وعينا لمتلقينا بشكل فني، إننا نعي فنتكلم، وحين نتكلم إنما نعبر عما نعي..ويقول بيلينسكي عملية الإبداع تشبه عملية الولادة التي لا تخلو من الآلام الروحية، والأدب هو التعبير الأسمى عن فكرة الإنسان، وإن العمل الأدبي إن كان شعراً أو رواية أو قصة، إن لم يحمل فكرة أو يتضمن قيمة جوهرية، تضيف شيئاً ما إلى ثقافة المتلقي، فلا نفع فيه..ويجيب الكاتب والأديب مالك صقور في كتابه ما الفن على سؤال عن سبب خلود بعض الأعمال، وزوال بعضها الآخر، فيرى أن ذلك يعود لسببين :الأول:موضوعها،وهدفها، ومحورها، الذي يجب أن يكون الإنسان، والثاني:قيمتها، والفنية التي هي بمنزلة الرجولة من الرجل، والأنوثة من المرأة، ولنا في رؤية الأديب ميخائيل نعيمة في فهمه للإبداع في الأدب والفنون بشكل عام قدوة عندما قال :»فإن سئلتم عن إبداع آيات الفن وأغلاها، قولوا:»ضمير لا يسخر،وجبين لا يعفر، ولسان حليم شكور،وقلب عفيف غفور،وعين لا تبصر القذى، ويد لا تنزل الأذى، وفكر يرى في البلية عطية، وخيال يربط الأزلية بالأبدية».

التاريخ: الثلاثاء18-1-2022

رقم العدد :1079

 

آخر الأخبار
بانة العابد تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال 2025   لبنانيون يشاركون في حملة " فجر القصير"  بحمص  ابتكارات طلابية تحاكي سوق العمل في معرض تقاني دمشق  الخارجية تدين زيارة نتنياهو للجنوب السوري وتعتبرها انتهاكاً للسيادة  مندوب سوريا من مجلس الأمن: إسرائيل تؤجج الأوضاع وتضرب السلم الأهلي  الرئيس الشرع يضع تحديات القطاع المصرفي على الطاولة نوح يلماز يتولى منصب سفير تركيا في دمشق لأول مرة منذ 13 عاماً  الجيش السوري.. تحديات التأسيس ومآلات الاندماج في المشهد العسكري بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية الأولمبي بعد معسكر الأردن يتطلع لآسيا بثقة جنوب سوريا.. هل تتحول الدوريات الروسية إلى ضمانة أمنية؟ "ميتا" ساحة معركة رقمية استغلها "داعش" في حملة ممنهجة ضد سوريا 600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز